الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 02:32 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: رفع أسعار الوقود.. وانفلات وحش التضخم

الأموال

 

يبدو أن الحكومة قررت شن حرب جديدة على أرزاق الناس، ولكن علي أساس مبدأ «الحرب خدعة» هذه المرة.. فبالأمس فقط كانت صورة وزير الطاقة تملأ شاشات التليفزيون، وهو يصرح بأن موعد رفع أسعار المحروقات لم يتحدد بعد.. وخرجت صحف الصباح بالفعل، وهى تحمل هذه التصريحات غير أن سرعان ما اتضح أن القرارات قد صدرت بالفعل برفع الأسعار!! وبنسبة كبيرة حوالى الخمسين بالمائة بالنسبة للبنزين الأكثر استهلاكا (80 والسولار) ومائة بالمائة (100٪) بالنسبة لسعر اسطوانات البوتاجاز.. وأكثر من 50٪ بالنسبة لأسعار البنزين 92.. و40٪ بالنسبة لغاز السيارات!! وظهر رئيس الوزراء ووزير البترول والطاقة علي شاشات التليفزيون ليعلنا القرارات ومبرراتها من وجهة نظر الحكومة.. بعد طول إنكار!!

القرارات الجديدة ستشعل النار في أسعار كل شيء تقريباً.. وإذا كانت نسبة التضخم قد بلغت 33٪ في أبريل الماضى، وكانت الحكومة تتيه فخرًا بأنها انخفضت نقطة أو نقطتين خلال شهرى مايو ويونيو.. فإن رفع أسعار الوقود سيدفع التضخم نقاطا عديدة إلى الأعلي، علماً بأن النسبة الحالية هى من أعلى نسب التضخم في العالم.. ثم ستجىء الزيادة في فواتير الكهرباء (أغسطس) والمياه (سبتمبر) لتزيدها أكثر وأكثر.. وستبتلع موجة الغلاء القادمة أى أثر لعلاوات الموظفين والزيادة في المعاشات، التى لم تؤثر في دخول الأغلبية الكبرى من الشعب «العاملين في القطاع الخاص والحرفيين والفلاحين والعمال الزراعيين وغيرهم من عمال اليومية وصغار التجار وغيرهم من الفئات الفقيرة» علماً بأن هذه الزيادات لم تبلغ في أفضل الأحوال أكثر من 17٪ لأكثر الفئات استفادة منها.. أى ما يعادل نصف التضخم تقريباً.. وخلاصة القول أن التضخم أكل ثلث دخل المصريين خلال العام الماضى، ثم جاءت العلاوات المحدودة التى تقررت خلال الأسابيع الماضية لتعوّض جزءا من الخسائر، وتشبع بعضاً من التفاؤل الحذر لدى موظفي الدولة وأرباب المعاشات.. لتجىء القرارات الأخيرة، فتطيح بالعلاوات وبالتفاؤل (الحذر) ولتغرق الطبقة الوسطى والطبقات الأقل دخلا في موجة كاسحة جديدة من التضخم المنفلت، علماً بأن أسعار الوقود كانت قد تمت زيادتها في شهر نوفمبر الماضى (2016) بنسبة كبيرة أيضاً، وترتب عليها اندلاع موجة التضخم السابق الإشارة إليها، والتي وصلت نسبتها إلى 33٪ على أساس سنوى في أبريل الماضى، وفقاً للأرقام الرسمية.

ارتفاع أسعار السولار يترتب عليه زيادة تكلفة نقل الأغلبية الساحقة من السلع، فضلا عن تكلفة نقل الركاب، وارتفاع أسعار البنزين وغاز السيارات سيترتب عليه نفس الأثر وإن يكن على نطاق أضيق نسبياً.. وزيادة أسعار البوتاجاز بنسبة 100٪ سيترتب عليها ارتفاع تكلفة إعداد جميع المأكولات الشعبية (الفول والطعمية والكشرى.. الخ).. فضلاً عن ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج ونقل السلع وانتقال الأفراد ونفقات المعيشة عموماً بالنسبة للمنتجين والتجار سيترتب عليه ارتفاع تكلفة إنتاج السلع عموماً، وسلع الاستهلاك الشعبي خصوصاً (وهذا قانون اقتصادى).. لكن الخاصية التى تتميز بها السوق المصرية في المرحلة الحالية، تعنى انعدام الرقابة التام علي الأسعار، وحالة الانفلات شبه المطلق في الأسواق ستجعل من الأمر موجة غلاء منفلت وتضخم جامح، يترتب عليها هبوط مستمر للقيمة الشرائية للعملة الوطنية «الجنيه».. وبالتالى هبوط مستمر لسعر صرفه أمام الدولار وغيره من العملات الأجنبية.. وفى ظل التدهور المستمر للإنتاج الزراعى والصناعى، وعدم وجود سياسة واضحة لدي الدولة لمواجهة هذا التدهور، فإن التضخم مرشح لأن يستمر طويلاً.. ومعه يزداد تدهور مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وتآكل الطبقة الوسطى.. وزيادة السخط الاجتماعى بما يترتب عليه من آثار سلبية علي الاستقرار والأمن القومى، في مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ البلاد والمنطقة، فهل تدرك الحكومة هذه المخاطر؟ وهل ليس لأزمتنا الاقتصادية علاج غير هذه السياسات الاقتصادية الخطيرة؟

معروف أن رفع الدعم عن المحروقات وغيرها، وإطلاق الحرية للأسواق دون رقيب أو حسيب، هو تطبيق «لروشتة» صندوق النقد الدولى، كشرط للحصول علي القروض.. ولكن هل يستحق قرض صندوق النقد الدولى (12.5 مليار دولار) كل هذه المخاطرات، وكل هذه التضحيات الجسيمة علي حساب الطبقات الفقيرة؟ أليس لدينا سبل أخرى؟

يلفت النظر أنه أثناء المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء ووزير الطاقة تحدث شريف إسماعيل عن ضرورة هذه الزيادات لتغطية تكلفة العلاوات التي منحتها الحكومة مؤخرا، وزيادة أعباء دعم البطاقات التموينية (من 21 إلى 50 جنيها) ــ أى اعترف بوضوح أن الحكومة تأخذ بالشمال ما أعطته باليمين!! بينما تحدث وزير البترول عن الحاجة لتطوير البنية التحتية للصناعات البترولية وتسديد مديونيات شركات البترول والغاز الأجنبية لتشجيعها على مزيد من الاستثمار في مجال التنقيب والإنتاج، بما يلبي حاجة البلاد من البترول والغاز ويوفر علينا الحاجة إلى الاستيراد.. وبغض النظر عن التضارب في حديثهما، وعن الانخفاض الملحوظ في أسعار البترول قياساً على العام الماضى (من 55 دولارا للبرميل هذا العام».. فإن المشترك في حديثهما، وفي تصريحات جميع المسئولين الاقتصاديين في الدولة، هو التأكيد علي نقص الموارد وعن الحاجة إلي الاستثمارات، ومعالجة عجز الموازنة.. وهذا ما يقودنا إلى ضرورة تبنى روشتة وطنية للإصلاح الاقتصادى ولزيادة موارد الدولة ومواجهة عجز الموازنة.

وفيما يتصل بزيادة الموارد فإن الأسئلة الحائرة تطرح نفسها بإلحاح للمرة الألف:

- لماذا تصر الدولة على رفض مبدأ الضرائب التصاعدية على الأرباح؟ وهل معقول أن يدفع كبار المليارديرات ضرائب علي الدخل مثل تلك التى يدفعها الموظفون الصغار 22.5٪؟ علماً بأن رجال الأعمال يتلاعبون بحسابات شركاتهم، ولا يعترفون إلا بجزء ضئيل من أرباحهم.. ثم يراوغون في دفع الضرائب المقررة عليهم.. بينما يدفع الموظفون الصغار من المنبع..

- لماذا تعفي الدولة كبار ومتوسطى أصحاب المهن الحرة من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والمحامين من الضرائب عملياً بتراخيها غير المعقول في محاسبتهم؟

- لماذا تصر الدولة على إعفاء المستثمرين في البورصة من الضرائب على أرباحهم الرأسمالية، من خلال التأجيل المستمر لتطبيق القانون عليهم؟

- أين حصيلة الأموال من استرداد أراضى الدولة؟

- لماذا لا يتم تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور؟

- لماذا لا تقدم الحكومة تقريراً تفصيلياً للبرلمان والرأى العام عن تطبيق قرارها بترشيد الإنفاق الحكومي بنسبة 20٪ وتكتفي بتقديم أرقام عامة عن خفض قدره 14٪ دون أى تفاصيل أو خطط محددة للترشيد؟

- لماذا لا توضع خطط تفصيلية لأولويات الاستثمار تضع هدفاً لها استنهاض المشروعات الصناعية المتعثرة (6000 مصنع ومشروع) كأولوية أولى من شأنها زيادة الإنتاج واستفادة وتوسيع فرص العمل؟

- وأسئلةكثيرة غيرها ليس هناك إجابات مقنعة لها..

>> من الواضح أن الحكومة تدير اقتصاد البلاد بعشوائية وبدون تخطيط.. وتعمد إلى حل المشكلات بإلقاء مزيد من الأعباء علي الطبقات الفقيرة التي لم تعد تحتمل المزيد من الأعباء والضغوط.. ويجب الحذر من نفاد صبرها..

<< وقد أصبح مطلوباً بإلحاح عقد مؤتمر اقتصادى قومى يحدد اتجاهات السياسة الاقتصادية، ويضع خطة عامة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التى تزداد استفحالاً.. ويحضره خبراء من جميع الاتجاهات والمدارس الاقتصادية مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والوطنية.. وهم كثيرون.. فقد تعب الشعب من الإدارة العشوائية للاقتصاد، ومن تجارب حكومات الهواة، وروشتات صندوق النقد الدولى.. ولم يعد ممكناً الاستمرار بهذه الطريقة التى ثبت فشلها.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE