الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 12:33 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج أبو النور يكتب: هل يشعل ترامب الحرب التجارية العالمية؟ (1)

الأموال

 

 

الطريقة التى يتحدث ـ ويتصرف ـ بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تشير بوضوح إلى أنه مصمم علي إعادة صياغة علاقات أمريكا التجارية (والاقتصادية عموماً) مع شركائها، ومع العالم كله، بطريقة تضمن تحقيق مصالح بلاده على كافة الأصعدة، وعلى حساب الجميع، حتى لو اقتضى ذلك تمزيق الاتفاقيات الدولية، والإطاحة بالقواعد المعترف بها للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، والإساءة للعلاقات بالشركاء والحلفاء التقليديين.. وحتى إشعال حرب تجارية عالمية!

 

 

فما إن تم تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى بدأ فى تنفيذ التوجهات «الشعبوية» التى تضمنها برنامجه الانتخابى، والهادفة إلى تحميل شركاء وحلفاء بلاده عبء المصاعب الاقتصادية التى تواجهها القوة العظمى الأولى فى العالم من ديون فلكية (19 تريليون دولار) وعجز تجارى هائل يزيد على 700 مليار دولار عام 2016، وتراجع في القدرة التنافسية للاقتصاد، في مواجهة اقتصادات قديمة أو ناشئة تتقدم بمعدلات أعلى من الاقتصاد الأمريكى أو تحقق ميزات تنافسية أفضل من ميزاته، وبالتالى تستحوذ بصورة متزايدة على نصيب أكبر من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، بل وتنتزع مواقع متزايدة الاتساع فى السوق الأمريكية نفسها، استنادا إلى مبادئ حرية التجارة والمنافسة التى كانت أمريكا نفسها أكبر مدافع عنها في مراحل سابقة، حينما كان اقتصادها وتعطشها للأسواق ينمو بطريقة عاصفة، لم يعد يستطيع مواصلتها بسبب النهم الاستهلاكى الهائل والسياسات الإمبراطورية الهادفة لتحقيق الهيمنة على العالم، وما تقتضيه من إنفاق عسكرى هائل سواء علي تطوير الأسلحة والمعدات الحربية، أو على المغامرات العسكرية في مختلف أنحاء العالم.

بينما كانت بلدان أخرى تتطور وتبني اقتصاداتها وتكنولوجياتها بطريقة أكثر رشدًا وعلمية ونزوعاً للسلام وللادخار، وتركيزًا على بناء ميزاتها التنافسية، واستطاعت هذه الدول أن تستفيد من مبادئ العولمة وحرية التجارة والمنافسة التى كانت الولايات المتحدة تستخدمها لفتح الطريق أمام شركاتها وبضائعها واستثماراتها (وتحقيق أوضاع احتكارية في أسواق كثيرة) لكى تخلق تلك الدول أوضاعا تنافسية لصالحها  على حساب الولايات المتحدة.

وجاء ترامب بنزعته «الشعبوية» ليحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتحويل «العولمة» التى لطالما نادت بها أمريكا إلى «نزعة حمائية» تهدف إلي إنعاش الاقتصاد الأمريكى من خلال إغلاق الأسواق أمام السلع الأجنبية، وفرض رسوم جمركية حمائية لا تتناسب مع اتفاقيات «الجات» التى تفاوضت دول العالم حولها عقودا بأكملها.. وبقيادة أمريكا نفسها!! والانسحاب من اتفاقيات «مناطق التجارة الحرة» مع شركاء واشنطن.. ومحاولة إجبار شركاء وحلفاء أمريكا على دفع نفقات سياساتها الإمبراطوريةالهادفة للهيمنة على العالم، ليس بدءا من الآن وفى المستقبل فحسب، بل و«بأثر رجعى» أيضاً!! فترامب يتحدث بكل بساطة عن ديون أمريكا الفلكية «19 تريليون دولار» قائلا إننا لن ندفعها، بل يجب أن تدفعها الدول الأوروبية، (مقابل دفاع أمريكا عنها ضد الخطر السوفيتى سابقا والخطر الروسى حاليا، ومخاطر الإرهاب الذى تحاربه أمريكا»!! كما ينبغى أن تدفعها الدول الخليجية البترولية (مقابل دفاعنا عنها)!! وغنى عن البيان أن ترامب إذا كان لم يقل هذا الكلام بعد عن دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية أو دول أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا، فإن دورها سيجىء لتذكيرها بما يعتبره الأمريكيون (دفاعاً عنها فى مواجهة الخطر السوفيتى، ثم الروسى والصينى)!! وفي هذا الصدد يستخدم ترامب تعبيرا لا يكف عن ترديده، هو أن الجميع مدينون لأمريكا بمبالغ طائلة!! وهذا هو التعبير الذى استخدمه فيما يخص دول الخليج.. وهو نفس التعبير الذى استخدمه فى قمة الناتو في بروكسل في 25 من مايو المنقضى.. «مبالغ طائلة» تدين بها أوروبا وخاصة ألمانيا للولايات المتحدة ثمناً للدفاع عن تلك الدول في الماضى، ومثلها ينبغى دفعها من الآن فصاعدًا في صورة رفع عاجل لإنفاقها العسكرى فى إطار حلف «الناتو» أى أن دول العالم الغنية يجب أن تدفع ثمن سياسات أمريكا الإمبراطورية فى الماضى والحاضر والمستقبل!! وذلك لكى يتخفف الاقتصاد الأمريكى من أعباء تلك السياسات التى جنت الولايات المتحدة ثمارها في صورة أسواق لبضائعها وموارد رخيصة للمواد الخام وسيطرة على أغلب موارد الطاقة في العالم لعقود طويلة، وتحقيق مكاسب خيالية من ذلك كله!!

والأكثر من ذلك أن جميع الدول التي حققت مكاسب تنافسية لسلعها فى الأسواق الأمريكية، عليها أن تدفع رسوماً جمركية عالية، وتتنازل عن مكاسبها طواعية، لكى ينطلق الاقتصاد الأمريكى، وتعود إلى العمل تلك المصانع التى توقفت بسبب المنافسة الأجنبية، ويتم خلق وظائف جديدة فى الولايات المتحدة، وتنخفض البطالة، وتزيد مكاسب رجال الأعمال الأمريكيين وتنخفض الضرائب عليهم!! ولتذهب بلدان وشعوب العالم الأخرى ومصالحهم واقتصاداتهم إلى الجحيم!!

وإذا استخدمنا لغة ترامب الشعبوية فإن هذه التوجهات هى «استعباط رسمى» و«فتونة» أو «بلطجة» اقتصادية وتجارية.. أما إذا استخدمنا اللغة المتعارف عليها بين الاقتصاديين ورجال السياسة والإعلام فإن هذه التوجهات هى توجهات استعمارية عدوانية ورجعية، تقوم على الاستخفاف بقواعد وقوانين العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، فضلا عن قوانين الاقتصاد الأولية، ويتم ذلك استناداً إلى «أوهام القوة» الأمريكية واستخدام لغة التهديد وسياسة حافة الهاوية لفرض شروط غير متكافئة للعلاقات مع العالم بأسره.. وبالتالى فإنها سياسة محكوم عليها بالفشل.. والإصرار على محاولة فرضها يهدد بإشعال حرب تجارية عالمية سيخسر منها جميع الأطراف بما فيهم أمريكا طبعاً.. بل ربما تكون خسارة أمريكا أكبر من الجميع.

>> ومفهوم طبعاً أن استخدام تعبير مثل «أوهام القوة» بشأن الولايات المتحدة يجب أن يكون بحذر شديد لأن أمريكا لاتزال القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية الأولى فى العالم.. لكن الحقيقة هى أنها لم تعد القوة العظمى الوحيدة كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضى (بعد انهيار الاتحاد السوفيتى) وفي العقد الأول من هذا القرن، وأن زعامتها تتعرض لتحديات متعددة في عالم يتجه بوضوح نحو تعدد القطبية، فمن الناحية الاستراتيجية والعسكرية أصبحت روسيا في السنوات العشر الأخيرة تمثل منافساً استراتيجياً مهماً لأمريكا، وأصبح التحالف الروسى ـ الصينى يمثل قطباً مناوئاً لها. وعلى الصعيد الاقتصادى أصبحت الصين (11 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالى) ورشة العالم الصناعية الساعية للحاق بأمريكا «18 تريليون دولار من الناتج المحلى الإجمالى» فضلا عن الاتحاد الأوروبى (بناتج محلى إجمالى قدره 15 تريليون دولار ــ بعد خروج بريطانيا ـ 3 تريليونات دولار).. وهذه قوى لن تستطيع أمريكا أن تأمرها فتطيع!! وفي عالم أصبح الاعتماد المتبادل بين دوله واقتصاده سمة أساسية، وأصبحت التكتلات الاقتصادية من أهم ملامحه، وأصبحت «منظمة التجارة العالمية» وقوانين الجات إطارا لعلاقاته التجارية.. أصبح من الصعوبة بمكان كبير ممارسة «البلطجة» من جانب إحدى قواه الرئيسية ضد الآخرين.. وإذا كانت طريقة ترامب فى طلب «مبالغ طائلة» مقابل (الدفاع عنكم) قد نجحت مع دول صغيرة ذات ظروف شديدة الخصوصية مثل منطقة الخليج، فإنها لن تفلح مع قوى مثل أوروبا والصين واليابان أو حتى مع كندا والمكسيك.. وهم أهم شركاء أمريكا التجاريين لأن هذه الدول والقوى يمكن أن تتخذ إجراءات انتقامية شديدة التأثير ضد الولايات المتحدة، وأن تبحث عن شركاء آخرين، أو تسعى لتشكيل تحالفات اقتصادية جديدة.. وأن تفرض رسوماً جمركية مضادة على السلع الأمريكية.. إلخ..

>> والولايات المتحدة هى أكبر دولة مستوردة فى العالم ولديها عجز تجارى مع شركائها يبلغ 735 مليار دولار عام 2015 حسب إحصائيات مكتب الإحصاءات الأمريكى: (انظر www.argaam.com فى 19/3/2016) حيث تصدر ما قيمته 1500 مليار دولار تقريبا وتستورد بأكثر من 2200 مليار دولار (أرقام 2015) والواردات الضخمة هذه ليست من الحلوى والشيكولاتة لتستطيع الاستغناء عنها ببساطة، بل تدخل فيها صناعات هندسية وإلكترونيات وسيارات ومركبات نقل، وملابس وسلع استهلاكية ومحروقات وغيرها مما يصعب الاستغناء عنها، ومما يسبب النقص فيه فوضى فى الأسواق.. علماً بأن أكبر قدر من هذا العجز مع الصين (365 مليار دولار) ـ بصادرات صينية إلى أمريكا بلغت 452 مليار دولار تقريبا، وصادرات أمريكية إلى الصين بلغت 116 مليار دولار ليمثل العجز التجاري الأمريكى مع الصين حوالى 50٪ من عجز الولايات المتحدة التجارى كله.. بينما يمثل عجزها مع الاتحاد الأوروبى 23٪ من إجمالى عجزها التجارى.. أو حوالى 175 مليار دولار بينما بلغ عجزها مع اليابان 69 مليار دولار وعجزها مع ألمانيا وحدها من بين دول الاتحاد الأوروبى 74 مليار دولار..

وفي أوضاع كهذه لن تكون أمريكا طليقة اليد فى اتخاذ ما تراه من إجراءات تجاه شركائها التجاريين الأكثر أهمية، بل لابد أن تعمل حساباً لكل خطوة..

وللحــديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE