الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 09:36 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج أبو النور يكتب: هل يشعل ترامب الحرب التجارية العالمية؟ (2-2)

الأموال

 

تحدثنا فى مقالنا السابق (الأموال ـ 11 يونيو 2017) عن رؤية ترامب لإعادة صياغة علاقات أمريكا التجارية مع شركائها، ومع العالم كله بطريقة تضمن تحقيق مصالح بلاده وحدها وعلى حساب الجميع، ودون إقامة اعتبار لمصالح هؤلاء الشركاء أو للقواعد والاتفاقيات المنظمة للعلاقات الدولية!! وأوضحنا كيف أن من شأن محاولة تحقيق هذه الرؤية إثارة التوتر فى العلاقات الدولية بما لذلك من انعكاسات سياسية وفوضى فى الأسواق.

 

 

كما أوضحنا أن الاعتماد المتبادل العميق بين الاقتصادات العالمية، وضخامة الواردات الأمريكية والعجز التجارى الأمريكى، والتزايد المستمر لحجم مشاركة الاقتصادات الكبرى والناشئة فى الناتج الإجمالى العالمى، وكذلك التزايد المستمر للقدرة التنافسية لتلك الاقتصادات يجعل من الصعوبة بمكان كبير تحقيق الرغبات الأمريكية، وأن إصرار ترامب وإدارته على محاولة فرضها يمكن أن يؤدى إلي اشتعال حرب تجارية بين الولايات المتحدة وعدد من الاقتصادات والتكتلات الكبرى في العالم، يخسر بنتيجتها الجميع.

إصرار ترامب علي تنفيذ برنامجه الانتخابى »الحمائى« العدوانى تجلى منذ الأيام الأولى لتوليه السلطة. فخلال يومين من دخوله المكتب البيضاوى أصدر قرارا تنفيذيا بانسحاب أمريكا من منطقة التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ التي كانت تضم، بالإضافة للولايات المتحدة كلا من اليابان واستراليا ونيوزيلندا وماليزيا وفيتنام وكندا والمكسيك، وهى الاتفاقية التى كان قد تم توقيعها فى فبراير 2016 بعد مفاوضات طويلة وشاقة، وكانت تعتبر أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم.

وفي نفس اليوم اجتمع برؤساء عدد من الشركات الأمريكية الكبري، وأبلغهم بأنه سيتقدم بطلب إجراء تعديل تشريعى يقضى بفرض رسوم جمركية عالية على السلع التى تنتجها فروع شركاتهم »الأمريكية« خارج البلاد.. بينما سيتمتعون بخفض للضرائب إذا سحبوا استثماراتهم من الخارج وأتوا بها إلي أمريكا..

كما شن ترامب هجوماً عنيفاً على اتفاقية »النافتا«.. (اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية) التى تضم كندا والمكسيك إلى جانب الولايات المتحدة، والتى تنظم التجارة بين البلدان الثلاثة منذ عام 1994. وأعلن أنه سيطلب إعادة التفاوض حول شروطها التى يعتبرها  مجحفة بالولايات المتحدة، وأنها تؤثر سلباً على الوظائف فيها، أو إلغاء الاتفاقية أصلا..

وتلقت المكسيك النصيب الأوفر من غضب ترامب إذا اتهمها بأن المهاجرين غير الشرعيين القادمين منها قد وصل عددهم إلي أكثر من 13 مليون نسمة، وأنهم يستولون على فرص العمل من أيدى الأمريكيين.. وطالب المكسيك ببناء جدار على نفقتها بامتداد الحدود بين البلدين لمنع الهجرة غير الشرعية.. وحينما رفض الرئيس المكسيكى طلب ترامب باعتبار أن الطرف المتضرر هو المسئول عن تحمل النفقات، غضب الأخير، وأُغلق الخط فى وجه زميله المكسيكى. وانتهى الأمر بتخصيص الكونجرس موارد إضافية لبناء السور المطلوب.. ويبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين (534 مليار دولار) منها (236 مليار دولار) صادرات أمريكية للمكسيك مقابل استيراد أمريكى قدره 294.7 مليار دولار وبعجز قدره حوالى 60 مليار دولار سنوياً (أرقام 2015).

كما يبلغ حجم التبادل التجارى بين كندا والولايات المتحدة (575 مليار دولار) بصادرات أمريكية قدرها (280.5 مليار دولار) وواردات قدرها (295.2 مليار دولار).. وبفائض تجارى يبلغ (15مليار دولار) فقط لصالح كندا.. أى ربع الفائض المكسيكى، خاصة حينما يضاف إليه عنصر الهجرة غير الشرعية للأيدى العاملة.

العجز التجارى الأمريكى تجاه الصين ضخم بصورة تقض مضجع أى مسئول فى واشنطن.. فهو يبلغ (365 مليار دولار).. أى أكثر من نصف إجمالى العجز التجارى كله.. وهو ما كان يدعو ترامب أثناء حملته الانتخابية إلى الادلاء بتصريحات من قبيل أن »الصينيين يسرقوننا« أو »يسرقون الوظائف«.. الخ، ويدعو إلى ضرورة رفع سعر »اليوان« تجاه الدولار والعملات الدولية الأخرى، لكى تكون أسعار السلع الصينية عادلة... الخ.. لكن ترامب حينما اجتمع بالزعيم الصينى شى جين ينج فى شهر ابريل الماضى، تفادى استخدام أي ألفاظ حادة، أو القيام بأي تصرفات غير منسجمة مع البروتوكول، فالصينيون قوم مهذبون وعمليون ولا يحبون المزاح، والمصالح المتبادلة أكبر وأهم من أن يتم تعريضها لأي هفوات.. وهذه كانت نصيحة مستشارى ترامب، وهو التزم بها بدقة.. وتم تبادل وجهات النظر ثم ترك الأمر للخبراء.. وخلال أسبوعين أو ثلاثة، كان الصينيون قد أجروا خفضا جديدا، وإن يكن قليلا لسعر صرف »اليوان«!! والواقع أن »المعضلة الصينية« ستظل أكبر مشكلة تجارية تواجه أمريكا مهما يكن رئيسها. فعلاوة على الفائض التجارى الهائل والمتزايد باستمرار، تتبادل بكين وطوكيو المركزين الأول والثانى بفارق طفيف، كأكبر دائنين للولايات المتحدة من خلال استثماراتهما بالغة الضخامة فى سندات الخزانة الأمريكية (أكثر من 1200 مليار دولار) فضلا عن استثمارات أمريكية في الصين وأخرى صينية فى أمريكا تقدر بمئات المليارات من كل جانب مما يقتضى تعاملاً يتسم بالحرص والاتزان إلى أبعد حد..

غير أن ترامب تصرف على سجيته تماماً حينما زار أوروبا لحضور قمتى »الناتو« والدول الصناعية السبع الكبرى.. فعلاوة على مطالبته للأوروبيين، وخاصة للألمان »بدفع مبالغ طائلة« مقابل الدفاع عنهم فى الماضي والحاضر والمستقبل (معزوفته الأثيرة)!! فإنه هاجم الألمان بالذات، ووصفهم بأنهم »سيئون«!! لأن لديهم فائضا تجاريا كبيرا مع الولايات المتحدة (74 مليار دولار) عام 2015 وأكثر من (50 مليار دولار) عام 2016، ولأن ألمانيا تصدر إلي الولايات المتحدة أكثر من مليون سيارة كل عام، ما يؤثر بالسلب على تجارة السيارات الأمريكية. ومعروف أن ألمانيا هى زعيمة الاتحاد الأوروبى وأكبر وأغنى دولة. لذلك يركز ترامب هجومه عليها حينما يتهم الاتحاد الأوروبى بالتقصير في المساهمة في النفقات العسكرية لحلف »الناتو« مطالباً برلين بتحمل النصيب الأكبر من »المبالغ الطائلة« المطلوب دفعها عن الماضى!! أو فى المستقبل، حيث يعتبر ترامب أن رفع النفقات الدفاعية لدول »الناتو« الأوروبية إلى 2% من ناتجها المحلى الإجمالى، غير ألمانيا، بدفع نصيب أكبر، حيث إن الولايات المتحدة لاتزال هى التى تتحمل العبء الأكبر من ميزانية »الناتو«.

ماذا يريد ترامب بالضبط؟؟ يريد ابتزاز أوروبا على طريقة ما فعله مع دول الخليج.. ويريد إضعاف الاتحاد الأوروبى اقتصاديا بتحميله أعباء دفاعية أكبر، حيث إن الاتحاد الأوروبي ـ ككتلة اقتصادية ـ هو المنافس الأول للولايات المتحدة (ناتج محلى إجمالى قدره 18 تريليون دولار وبفائض تجارى مع أمريكا قدره 175 مليار دولار.

بل إن ترامب لم يخف ترحيبه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، داعياً دول الاتحاد الأخرى لأن تحذو حذوها »لتحقق هويتها الوطنية«!! أى أنه لا يخفي مشاعره العدائية تجاه هذا المنافس الاقتصادى الخطير.. ويريد أن تلتحق دولة فرادى »بالناتو« لتقف في مواجهة روسيا العائدة بقوة إلى ساحة الفعل والتأثير على المستوى الدولى.

وهنا يتجاهل ترامب أن دول الاتحاد الأوروبي الكبرى وفى مقدمتها ألمانيا وفرنسا كان لها دور كبير فى تمويل تحول دول أوروبا الشرقية إلى اقتصاد السوق والنهوض باقتصادياتها لتتمكن من الانضمام إلى الاتحاد العتيد.. ومن ثم تستطيع الانضمام إلى حلف »الناتو« الذى هو بالأساس أداة استراتيجية أمريكية، كما أن هذه الدول الأوروبية الكبرى تقدم مساعدات اقتصادية سخية لدول الاتحاد الصغيرة والفقيرة.. وهذا كله يعتبر إنفاقاً دفاعياً، وإن يكن بشكل غير مباشر.. وإذن فإن أمريكا ليست مغبونة كما يصرخ ترامب باستمرار.

في المقابل فإن ألمانيا وفرنسا (ومعهما دول مثل إيطاليا وإسبانيا والدول الأخرى الأكثر تطورا وغنى في الاتحاد) ليس بوسعها أن تقبل مطالبات أمريكية مفتوحة »بدفع مبالغ طائلة.. مقابل الدفاع عنها« لذلك لجأت أنجيلا ميركل إلي القول »بأن أوروبا عرفت أنها وحدها، وعليها أن تتحمل مسئولية الدفاع عن نفسها«.. ما يفهم منه الاتجاه إلى إقامة جيش أوروبى.. وهى مهمة بالغة الصعوبة ومكلفة جدا ويصعب القيام بها بدون الثقل الاستراتيجى والعسكرى للولايات المتحدة.. لكن الرسالة هنا هى إذا كان حلف الأطلنطى سيصبح مكلفاً إلى هذا الحد، فالأفضل أن نتولى نحن الدفاع عن أنفسنا.. وبعبارة أخرى فهذا ابتزاز مضاد، أو مساومة خشنة حول تكاليف الدفاع.. والمؤكد أن نتيجة هذا كله توتر متزايد في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الشريكين المتنافسين.

من ناحية أخرى فقد استقبلت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية المناخ »اتفاقية باريس« باستياء معلن.. وقالت ميركل: ليس لدينا استعداد للتفاوض مرة أخرى حول الاتفاقية.. بينما قال الرئيس الفرنسى إذا كانت أمريكا لا تعرف كيف تدير اقتصادها مع الالتزام بالمعايير البيئية فلترسل لنا خبراءها لتدربهم لدينا.. وواضح أن الاتفاقية التى احتاج التوصل إليها لمفاوضات شاقة، والتي تتجاوب مع قيم أصبحت راسخة في أوروبا، تلزم الدول الصناعية بمعايير للحفاظ على البيئة تجعل عملية الإنتاج أكثر كلفة، وحينما تنسحب منها أمريكا فهى تحقق لنفسها ميزة دفع تكاليف أقل للإنتاج الصناعى، وبالتالي امتلاك وضع تنافسى أفضل.. كما أنها تلحق الضرر بفروع صناعية أنفقت أوروبا الكثير لتطويرها، وخاصة في مجال إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة (النظيفة) والسيارات والمركبات التى تعتمد على الكهرباء بدلا من المحروقات الملوثة للبيئة.. ولا شك أن خروج أمريكا من اتفاقية باريس سيجعل الالتزام بالمعايير البيئية أقل، وبالتالى يلحق ضررا بإمكانية توسع الفروع المشار إليها، بعد أن تم إنفاق استثمارات ضخمة لتطويرها.. وكل هذا ضار بالاقتصاد الأوروبى قطعاً.

وغنى عن البيان أننا حينما نتحدث عن ترامب فإننا لا نتحدث عن شخص معزول بذاته.. وإنما عن اتجاه في الولايات المتحدة يحاول انتزاع المزايا لأمريكا وتحميل الأعباء للشركاء، الأمر الذى يخلق أسباباً متزايدة للاحتكاك والتوتر فى بيئة العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، يمكن أن يؤدى إلى نزاعات وصدامات تجارية من شأنها إثارة الفوضي في العلاقات الاقتصادية الدولية.. وبوجود شخص لديه اندفاع وخشونة دونالد ترامب علي رأس أكبر دولة في العالم، فإن هذه الاحتمالات تتزايد إن لم تتضاعف.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE