الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 11:33 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب:  ملاحظات على مشروع الموازنة العامة (2)

الأموال

 

 

قبل أن ننتقل إلى مناقشة بقية ملاحظاتنا الأساسية على الموازنة العامة للدولة ـ كما وعدنا فى مقالنا السابق ـ نجد أنفسنا مضطرين للتوقف أمام أمور جديدة جرت بعد نشر مقالنا السابق، من شأنها إحداث تغيير لا يستهان به في معطيات الموازنة، ومن الغريب أن الأوضاع الاقتصادية كانت تقتضى أخذها بعين الاعتبار.. لكن ذلك لم يحدث!! نعنى علاوة غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية التى تقررت مؤخرا، وعلاوة الـ15% لأصحاب المعاشات، ثم علاوة الغلاء التى تقررت للمخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، واستثنى منها أصحاب المعاشات.. وتبلغ تكلفة العلاوات المذكورة 46 مليار جنيه ـ حسب بيان لوزارة المالية ـ لم تلبث أن سحبته!! (اليوم السابع والصحف والمواقع 31 مايو 2017)، بينما قدرت بعض وسائل الإعلام المبلغ المطلوب بنحو 43 مليار جنيه.. ومن شأن هذا المبلغ أن يرفع عجز الموازنة بنقطة مئوية كاملة ليصعد العجز لما فوق الـ10% من الناتج المحلى الإجمالى.. هذا بفرض أن بنود الموازنة الأخرى لم تطرأ عليها زيادات. علماً بأن هناك مطالبات مُلحة في لجان البرلمان بمثل هذه الزيادات، وبأنه ثبت أن الحكومة ليس بوسعها تجاهل صرخات الطبقات المتوسطة والفقيرة، كما كانت الظواهر تشير وقت إعداد الموازنة وإرسالها إلى البرلمان!!

وبينما لم يبق سوى أقل من شهر على نهاية السنة المالية لاتزال مناقشة الموازنة فى لجان البرلمان فى بدايتها، ونحن فى شهر الصوم، وتليه عطلة الأعياد، وتجد البلاد نفسها أمام تأخير إقرار الموازنة الجديدة عن موعدها الدستورى، ومواصلة العمل على أساس الموازنة القديمة، أو إقرار الموازنة الجديدة دون مناقشتها بالجدية الواجبة.. وكلا الأمرين بالإضافة إلى التعديلات الكبيرة التى يتم إدخالها في اللحظات الأخيرة يمثل نوعاً من »فوضي الموازنة« غير لائق ببلد كبير وغنى بالكفاءات مثل مصر..

وما يزيد من مخاوف زيادة عجز الموازنة بصورة أكبر مما توقعه مشروعها ـ وربما أكبر بكثير ـ أن باب الإيرادات يعتمد على الضرائب بمبلغ يصل إلى 804 مليارات جنيه.. بينما تشتعل مناقشات حادة فى البرلمان حول الحساب الختامى لعام 2015/2016 (أى الإيرادات والمصروفات الفعلية للدولة في العام المذكور) حيث اتضح أن تقدير حصيلة الضرائب فى موازنة ذلك العام كان أكبر مما تم تحصيله فعلاً بحوالى 70 مليار جنيه إذ كانت المتحصلات الضريبية المستهدفة أكثر من 422 مليار جنيه إلا أن ما تم تحصيله فعلا كان 352 مليار جنيه، وبديهى أن هذا المبلغ الضخم كان يتعين على الحكومة توفيره بالعجز.. أو خصمه من النفقات.. وهى كارثة فى الحالتين ــ وفى ظل »فوضي الموازنة« التى نشهدها هذه الأيام لا توجد أى ضمانات كبيرة حول واقعية الأرقام المستهدفة من المتحصلات الضريبية، أو عجز الموازنة.

ومصداقًا لما نقوله لابد أن نشير أولاً إلي أن (الحساب الختامى) تتم مناقشته متأخرا جدًا، إذ كان ينبغى إعداده خلال الشهور الثلاثة التالية لنهاية السنة المالية 2015/2016 وإحالته للبرلمان لمناقشته وإقراره واستخلاص الدروس الضرورية منه.. ومن بينها مثلاً أن هناك مشروعات تم تنفيذها دون دراسة جدوى اقتصادية جدية!! ويمكن هنا أن نضيف الكثير من علامات التعجب.. كما أن هناك مخالفات في الحسابات ومواعيد تسليمها بالنسبة لهيئات اقتصادية كبرى، استدعت إحالة 4 وقائع إلى النيابة الإدارية للتحقيق فيها.. علماً بأن الحِكمة من مناقشة »الحساب الختامى« فى توقيت مناسب ترجع إلى إمكانية استخلاص دروس الأخطاء، وتفاديها لدى إعداد الموازنة التالية، وخاصة التقديرات المبالغ فيها (كالضرائب السابق الإشارة إليها).. أو عدم إجراء دراست الجدوى الاقتصادية الكافية للمشروعات.. وهى ظاهرة متزايدة الاتساع في مصر، تشير إلى عشوائية الإدارة الاقتصادية، وتهدر موارد طائلة في بلد فقير غارق في الديون.. وتفقد الشعب الثقة في رشد الإدارة الحكومية للاقتصاد.

< < <

فإذا عدنا إلى ما وعدنا القارئ به من مناقشة لقضية الاستثمار وأولوياته فى الموازنة الجديدة، معتذرين عن اضطرارنا لعدم الدخول في القضية مباشرة، فسنجد أن مخصصات الاستثمار فى موازنة 2017/2018 تبلغ 646 مليار جنيه تقدر بنحو 16% من الناتج المحلى الإجمالى (الأهرام ـ 9 مايو 2017) فهى نسبة متواضعة بالمعايير الدولية، لكن مشكلتها الحقيقية تكمن فى أن نصيب الدولة منها 45% فقط.. بينما نصيب القطاع الخاص 55% (اليوم السابع ـ 30 مارس 2017 نقلا عن وزير المالية) ولسنا ضد المساهمة الكبيرة للقطاع الخاص بالطبع.. لكننا ضد بناء حسابات الدولة علي توظيف القطاع الخاص للاستثمارات، في ظروف تتسم بعدم الاستقرار الاقتصادى، وبعزوف واضح من هذا القطاع عن الاستثمار الإنتاجى، واتجاه لقطاعات التصدير والاستيراد والعقارات (برغم ركودها)، فضلا عن زيادة تكلفة الاقتراض والاستثمار المتوقعة بناء على رفع سعر الفائدة، دون أن تقوم الحكومة بخطوات محددة لاحتواء أثر هذه الخطوة من جانب البنك المركزى.. وخلاصة القول أن نسبة 55% من الاستثمارات المدرجة في الميزانية، والمسندة نظرياً إلى القطاع الخاص هى نسبة غير مضمونة، ولا يمكن بناء خطة الدولة على أساسها.

ووفقاً لمشروع الموازنة وللاستثمارات التقديرية المدرجة فيه، فإن نسبة النمو الاقتصادى المتوقعة تبلغ 4.6%.. وهو رقم يرى خبراء كثيرون أنه يميل إلى التفاؤل فى ظل إجراءات التقشف الصارمة التى اتخذتها الدولة من ناحية، وعدم اليقين فيما يتصل باستثمارات القطاع الخاص من ناحية أخرى، وأولويات الاستثمار المقررة من ناحية ثالثة.

وبالنسبة لأولويات الاستثمار يبدو غير منطقى أن يتحدث وزير المالية ـ فى ظل مشروع الموازنة المقدم من وزارته عن أن »الصناعة التحويلية« هى القطاع الذى تتعلق به الآمال فى قيادة النمو الاقتصادى، وأن الزيادة فى استثماراتها تبلغ 3.4 مليار جنيه.

والواقع أن الصناعة عموماً، والصناعة التحويلية خصوصاً، هى القطاع الجدير بتركيز الاستثمارات فيه، لأنه الأكثر قدرة على خلق القيمة المضافة وقيادة النمو الاقتصادى، وخاصة فى بلد كبير كمصر، لكننا نرى أن اهتمام الحكومة به ليس على المستوى المطلوب إطلاقا، وأن الاستثمار فى البنية التحتية والإنشاءات والعقارات يتقدم عليه كثيرًا.

ويكفى أن نشير إلى أنه بالرغم من وجود آلاف المصانع المغلقة والمتعثرة من كبيرة وصغيرة ومتوسطة سواء في القطاع العام أو الخاص، فإن »صندوق تمويل المصانع المتعثرة« ـ الذى أقيم مؤخرا ـ يبلغ رأسماله 150 مليون جنيه!! وهو مبلغ شديد الضآلة بالقياس لجسامة المهمة، ثم تسند إدارته إلى شركة خاصة متخصصة فى إدارة رأس المال المخاطر!!

بينما يتكون رأسمال الصندوق من مساهمات لمركز تحديث الصناعة، وصندوق تحيا مصر، وبنك الاستثمار القومى!! والسؤال هنا: إذا لم تكن مهمة استنهاض المصانع المغلقة والمتعثرة على رأس مهمات الدولة الاستثمارية، فكيف ستكون الصناعة »قائدة للنمو« وما هى مهمة وزارة الاستثمار ووزارة الصناعة ووزارة قطاع الأعمال وغيرها من الوزارات المختصة؟!! علماً بأن من بين هذه المشروعات الصناعية المتعثرة مشروعات عملاقة كمجمع الحديد والصلب، ومصنع الكوك بحلوان، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى، وعدد من مصانع الغزل والنسيج الكبرى المملوكة للدولة.. وهذا على سبيل المثال لا الحصر..

ويرتبط بهذه النقطة ارتباطاً وثيقاً ـ بل عضوياً ـ ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 13% حالياً، والذى يستهدف مشروع الموازنة خفض إلى 11 ـ 12% خلال العام المالى القادم 2017/2018 وإلى ما دون الـ10% فى المدى المتوسط وهو ما يستلزم خلق 750 ألف فرصة عمل سنوياً خلال الأعوام القادمة، الأمر الذى لا يبدو له أى أفق واقعى بدون استنهاض الصناعة، وخاصة الصناعات ذات العمالة الكثيفة، وهو ما يقتضى إعطاء أولوية قصوى للصناعة فى السياسة الاستثمارية.. فنهوض الصناعة وتقدمها ليس من شأنه تعديل الخلل الكبير فى ميزاننا التجارى وتوفير مواردنا من العملات الأجنبية وتوفير فرص العمل فحسب، بل وأيضاً توليد القيمة المضافة الضرورية للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الأخرى وتطويرها، من بنية تحتية وعقارات وإنشاءات إلى زراعة وسياحة وغيرها.. وأيضاً للإنفاق علي الخدمات الاجتماعية.. علماً بأن هذا كله هو السبيل الأكيد لاجتذاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى بلادنا، وتطوير صادراتنا، وتعزيز مواردنا من العملات الحرة، مع ملاحظة أن السياحة فعلاً تواجه سنوات عصيبة في منطقة الشرق الأوسط كلها، بسبب موجة الإرهاب التى تجتاح المنطقة، والتى ليس من المتوقع أن تنتهى بسرعة، وبالتالى فإن الاستثمار فى هذا المجال يجب أن يكون حذرًا، وخاصة من جانب الدولة.. وفى جميع الأحوال فإنه لا ينبغى أن يحتل أولوية.

المؤسف أن إدراك هذا كله لا يبدو واضحاً فى مشروع الموازنة الجديدة، وإذا أضفنا إلى ذلك عوامل »الفوضى« التى أشرنا إليها فى بداية هذا الجزء من مقالنا، واحتجاجات النواب التي أشرنا إليها فى مقالنا السابق بشأن عدم وضوح الجدوى الاقتصادية لبعض المشروعات، وعدم وجود خطط تفصيلية لتنفيذها، يكون من حقنا القول بأن مشروع الموازنة معد بطريقة سيئة وغير مهنية، تستدعى أن يرفضها البرلمان أو يعيد النظر فيها جذريًا.. والواقع أن موازنة الدولة تستحق معاملة أكثر جدية وانضباطاً مما نراه حالياً.. فهذه موازنة مصر، وليست موازنة جمهورية من جمهوريات الموز.. ومصر هى أقدم دولة وأقدم حكومة فى العالم.. وأول من عَلَّمَ الدنيا الحساب.. فاعلموا إن كنتم لا تعلمون!!

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE