الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 09:43 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب .. حسابات المكسب والخسارة في الدراما الرمضانية

الأموال

مثلما حدث فى الأعوام السابقة وتكرّر فى رمضان هذا العام.. لايزال حضور الدراما التليفزيونية طاغيًا وباغيًا بقوة وبشراسة رغم الانتقاد المجتمعى العام.

المفارقة هى أنه رغم هذا الانتقاد العام، فإن نسبة كبيرة غير قليلة من المنتقدين لا يستطيعون مقاومة إغراء مشاهدة ما يمكنهم متابعته من سيل الأعمال الدرامية التى فاق عددها 35 مسلسلا.. أغلبها إن لم يكن كلها دون المستوى.. فنيًا وأخلاقيًا.

صحيح أن عدد المسلسلات قد انخفض نسبيًا في رمضان هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أنه يبقى أن استمرار هذا السيل الدرامى التليفزيونى غير مقبول وغير مناسب.. روحيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا وأيضًا تربويًا.. في هذا الشهر الفضيل.

< < <

ثم إنه ثمة ملاحظة بالغة الأهمية وهي أنه فى خضم هذا الفيضان الدرامى الذى تغرق فيه شاشات الفضائيات، فإن المسلسلات الدينية والتاريخية باتت غائبة تمامًا رغم أنها الأكثر تناسبًا ومن ثم الأكثر أهمية في شهر رمضان بدواعى المواءمة التى كان يتعين مراعاتها من جانب الفضائيات وصناع الدراما.

< < <

هذه الملاحظة تقودنا بالضرورة إلى ملاحظة أخرى أكثر أهمية وهى غيبة تليفزيون الدولة الرسمى وابتعاده أو بالأحرى توقفه عن الإنتاج الدرامى الرصين والمحترم والهادف بوجه عام وفي رمضان بوجه خاص مقارنة بإنتاجه الدرامى الراقى وخاصة إنتاجه لأعظم المسلسلات الدينية التاريخية فى سنوات سابقة لاتزال من أهم كلاسيكيات الدراما في هذين المجالين ليس فى مصر وحدها ولكن فى المنطقة العربية كلها.

مازلنا نذكر من تلك الأعمال وعلى سبيل المثال لا الحصر مسلسل »محمد رسول الله« والمأخوذ عن أحد أهم مؤلفات الراحل عبدالحميد جودة السحار، ولايزال غناء الفنانة ياسمين الخيام لمقدمته حاضرًا في أسماع ووجدان أجيال متعاقبة حتى الآن.

وأيضًا لايزال مسلسل »هارون الرشيد« ومسلسل »عمر بن عبدالعزيز« ماثلين فى أذهان ووجدان أجيال من المصريين والعرب رغم مرور كل تلك السنوات التي مضت منذ إذاعة هذين العملين، وسوف تبقي هذه الأعمال وغيرها خالدة في تراث الدراما المصرية.

< < <

لقد كان يتعين على تليفزيون الدولة الرسمى أن يتصدّى بقوة لهذا الغزو الدرامى الغث من جانب الإنتاج الخاص الذى يستهدف الربح أولا وأخيرًا ولو علي حساب الذوق العام والدراما الراقية، وكان على التليفزيون أن يقوم بواجبه الوطنى في حماية الذوق العام والفنى الراقى والأخلاق بإنتاج أعمال درامية ذات مستوى فني وثقافى محترم مهما كان التعلّل بقلة الإمكانات المالية، فهذا هو دوره المنوط به.

إن عودة التليفزيون الرسمى واستئناف دوره الثقافى والإعلامى مهما كانت التكلفة المالية لا يجوز التعاطى معه بحسابات المكسب والخسارة، لأن هذا الدور الوطنى والرسمى للتليفزيون هو في الأساس دور خدمى ويدخل ضمن مسئوليات الدولة تجاه المواطنين، ولاشك أن العائد الثقافى والأخلاقى وعائد الارتقاء بالذوق العام مكسب كبير يفوق بكثير ما ينفق ويفوق أيضًا ما يمكن أن يترتب على الاضطلاع بهذا الدور من خسارة مالية.

< < <

بحسابات المكسب والخسارة في هذه الدراما الرمضانية فمن الواضح بل من المؤكد أن صناع هذه الدراما فى الفضائيات وشركات الإنتاج الخاص يحققون أرباحًا طائلة ومكاسب فلكية تقدر بمئات الملايين من الجنيهات وذلك فى ضوء ما يتواتر عن تكلفة الإنتاج والتي تصل إلى أضعاف هذه المكاسب خاصة مع الارتفاع الجنونى في أجور نجوم وممثلي هذه المسلسلات والتى تتراوح ما بين (60) مليون جنيه لأحدالنجوم رغم تراجع أدائه.. وتراجع الإقبال عن مشاهدته! وبين (15) مليون جنيه وهو الأجر الأقل بين ما يتقاضاه نجوم الدراما من أجور خرافية بل استفزازية.

< < <

وحسابات المكسب والخسارة، فإن هذا المحتوى الذى تنطوى عليه هذه الدراما الرمضانية والذى يمثل خطرًا أخلاقيًا وتربويًا على المشاهدين من صغار السن والشباب عبر مشاهد العنف والدم والتفاهة والانحلال.. هذا المحتوى الدرامى بتداعياته السيئة يمثل الخسارة الحقيقية والفادحة والشاملة والتى تهدد المجتمع المصرى كله بقدر ما تهدد الأخلاق والقيم والذوق.. العام والفنى على حد سواء، بينما المكسب الخرافى من نصيب صناع تلك الدراما غير اللائقة ليس بشهر رمضان فحسب وإنما بمصر كلها وفى كل شهور السنة.

< < <

ثم إنه وبصرف النظر عن المحتوى الدرامى البغيض فى المسلسلات الرمضانية، فإنه تبقى ملاحظة فنية تدخل فى صميم الدراما ذاتها، وهى تلك الفواصل الإعلانية الطويلة المملة والمتكررة والمبالغ فيها بسبب سُعار المكسب المالى، إذ إنها تقطع متابعة الأحداث وتفسد العمل الدرامى ذاته، وهو الأمر الذى كان دائمًا مثار شكوى المؤلفين والمخرجين والممثلين، ثم تراجعت شكواهم أمام ما يحصلون عليه من أجور كبيرة حتى لو كان على حساب إبداعهم الفكرى والدرامى!

< < <

بحسابات المكسب والخسارة، فإن استمرار هذه المسلسلات على هذا النحو، وحيث تحوّل الشهر الفضيل إلى »بيزنس« درامى متخلف فنيًا ومسىء أخلاقيًا.. يتربح منه صناع الدراما وممثلوها مكاسب خرافية، فإن المجتمع المصرى هو الذى يتكبد الخسارة الفادحة.. لذا لزم التنويه..

 

 

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE