الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 01:32 صـ
  • hdb
9 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 د. محمد فراج يكتب : الصين تكسر الهيمنة الأمريكية على أسواق البترول

الأموال

ضربة صينية قاسية للدولار

بكين تطلق أول بورصة عالمية لعقود النفط الآجلة.. بـ«اليوان»!

قرار خطير جدا اتخذته الصين منذ نحو أسبوعين (26 مارس 2018) من شأنه توجيه ضربة قاسية لهيمنة الدولار الأمريكى علي الأسواق التجارية العالمية، ومن الغريب أن الإعلام العربي وفي عمومه لم يول هذا القرار ما يستحقه من اهتمام جدي، بالرغم من آثاره بعيدة المدي علي الاقتصاد العالمي.

القرار الصينى يقضي بإطلاق بورصة نفطية للعقود الآجلة بـ«اليوان» الصيني.. والمعني المباشر لهذا القرار هو كسر هيمنة الدولار الأمريكى الكاملة علي أسواق البترول.. فالدولار ظل حتى هذا التاريخ (26 مارس 2018) هو العملة الدولية الوحيدة المعتمدة في بيع وشراء «الذهب الأسود»، الأمر الذى كان يجعل جميع الدول مضطرة لامتلاكه لشراء احتياجاتها البترولية، بما يعطى العملة الأمريكية قوة احتكارية هائلة بحكم ما للطاقة من أهمية كشرط وجود وحياة لأى اقتصاد عصرى، أما بعد القرار الذى اتخذته بكين فإنه من الممكن شراء البترول وبيعه بالعملة الصينية «اليوان» لمن يريد، وبالتالي فإن احتكار الدولار لأسواق البترول قد أصبح شيئا من الماضى.

البورصة الجديدة ولدت عملاقة إن أمكن القول.. ويكفي أن نذكر أنه خلال عشرين دقيقة (20 دقيقة) فقط من انطلاقها تم إجراء 14 ألف عملية تداول!! وهو ما يشير إلى آفاق نشاطها العاصف.. وقد تم تحديد الأسعار القياسية للبرميل عند (65.8 دولار/ 408 يوان) للشراء العاجل (الدولار = 6.2 يوان) وعند 384 يوان لتسليم شهر سبتمبر 2018) و(375 يوان تسليم شهر مارس 2019) ــ (RT ـ 26/ 3 / 2018 ـ والمواقع والوكالات).

ومعروف أن الصين هى الآن أكبر مستورد للبترول في العالم (أكثر من 6.5 مليون برميل/ يوميا)، كما أنها أصبحت منذ سنوات أكبر مصدر للسلع الصناعية في العالم.. وبينها وبين دول عديدة فى شرق وجنوب شرق آسيا (ومصر وإيران فى الشرق الأوسط) اتفاقيات للتبادل التجارى باستخدام العملات الوطنية فى حدود معينة، وفقا لحجم التبادل التجارى.. أى أن الدول المذكورة يمكن أن تشترى البترول فى البورصة الصينية بـ«اليوان» أو أن تبيعه باليوان وأن تشترى بهذه العملة سلعا من السوق الصينية.. وكل هذا خصما من التعاملات بالدولار الأمريكى.

 

إضعاف الدولار خطوة خطوة

ويعتبر إطلاق بورصة العقود الآجلة للبترول أكبر وأقوى ضربة توجهها الصين للدولار الأمريكى علما بأنها تتخذ منذ سنوات خطوات تهدف لإضعاف سيطرة الدولار علي الأسواق النقدية والتجارية العالمية، فالمعروف مثلا أن الصين تملك أكبر احتياطى مالي دولى (4 تريليونات دولار) غير أن هذا الاحتياطى (المقوَّم بالدولار) تسعى بكين لتقليل المكون الدولارى فيه تدريجيا من خلال تنويع سلة العملات الدولية المكوّنة للاحتياطى وزيادة نسبة العملات الدولية الأخري فيه (يورو/ استرلينى/ ين يابانى.. إلخ) ومن خلال تعظيم نسبة احتياطياتها من الذهب، وقد أصبح البنكان المركزيان الصينى والروسى أكبر مشتريين في أسواق الذهب العالمية في الأعوام الأخيرة.. كما بدأت في التخلص تدريجيا من استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية لتنخفض من قرابة (1.5 تريليون دولار) إلي أكثر بقليل من 1.2 تريليون دولار.. وإن كانت الصين لاتزال أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأمريكية، وأكبر دائن لأمريكا.

ومن ناحية أخرى فإن الصين وبالمشاركة مع روسيا وغيرها من دول البريكس قامت بتأسيس بنك وصندوق تابعين للبريكس يقومان بأدوار مشابهة للبنك الدولى للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولى (في نطاق مجموعة البريكس) برأسمال قدره 100 مليار دولار لكل منهما بهدف تقليص سيطرة  مؤسسة التمويل الدولى العتيدتين علي الأسواق النقدية في العالم، وبالرغم من أن المؤسستين المذكورتين أصغر بكثير من البنك وصندوق النقد الدوليين إلا أنهما يقدمان نموذجا حقيقيا بديلا لمؤسسة التمويل الدوليتين العتيدتين اللتين تسيطر عليهما الدول الغربية الكبري، كما أسست الصين مؤخرا (البنك الآسيوى للاستثمار في مشروعات البنية التحتية) برأسمال قدره 100 مليار دولار والذى شارك فيه عدد من الدول الأوروبية الكبري، بالرغم من محاولات الولايات المتحدة لمنع تلك المشاركة.

ونؤكد مرة أخرى أن كل الخطوات والمشروعات المذكورة أقل حجما ووزنا من أن تؤثر بصورة ملموسة في الصورة الإجمالية للنظام المالى العالمى.. الخاضع لسيطرة الدولار.. إلا أن أهميتها تكمن فى أنها تقدم نموذجا بديلا يمكن مع الوقت أن يصبح مؤثرا.. وهو يساعد الدول الداخلة تحت مظلته علي الإفلات بدرجة لا بأس بها من الشروط القاسية المعروفة التي تفرضها مؤسسات التمويل (الدولية) الغربية.

>> إلا أن بورصة العقود الآجلة للنفط التى أطلقتها الصين مؤخرا هى خطوة أهم من كل ما سبق ذكره.. وسيكون تأثيرها في تحدى هيمنة الدولار على النظام النقدي والتجارى العالمى أكبر بكثير.

وواضح أن اختيار توقيت هذه الخطوة لم يكن عبثا، فقد جاء في أجواء ملبدة بالغيوم الثقيلة تشهدها الأسواق التجارية الدولية، منذ أشعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شرارة الحرب التجارية بإعلان فرض جمارك قدرها 25٪ علي واردات الصلب و10٪ علي واردات الألومنيوم للسوق الأمريكية ووسط تصريحات حادة تنذر بتطبيق سياسات (حمائية) متشددة وتهديدات بردود عنيفة علي الصين والاتحاد الأوروبى إذا لجأ أى منهما لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد القرار الأمريكى.. غير أن ترامب لجأ إلى تأجيل تطبيق قراره علي واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية حتى (1 مايو 2018).. بينما بدأ تطبيق القرار علي الصين بالفعل في الموعد المقرر (23 مارس 2018).. كما أعلن ترامب عن قائمة تضم أكثر من (1000) سلعة صينية ينوى فرض جمارك عليها، وتبلغ قيمة الواردات منها نحو 60 مليار دولار فأعلنت الصين عن قائمة مشابهة، وأكدت أنها سترد بالمثل علي أى خطوة أمريكية، مما جعل أجواء العلاقات بين البلدين وأجواء الأسواق الدولية عموما تتلبد بغيوم كثيفة فعلا.

> >  ومعروف أن أمريكا لديها عجز تجارى هائل فعلا مع الصين (أكثر من 350 مليار دولار) سنويا، لكن بعض الخبراء الموضوعيين يلفتون النظر إلي أن هذا العجز ليس كله حقيقيا، بل إن جانبا كبيرا منه (نظري) أو (نقدى) فقط.. ويفسرون ذلك بأن هناك أكثر من 60 ألف شركة أمريكية تعمل في الصين سعيا للحصول على أيد عاملة رخيصة (أجر العامل الصينى 1.5 دولار/ ساعة مقابل 20 دولارًا في الساعة لنظيره الأمريكى)، وأن هذه الشركات حينما تصدر إنتاجها المصنوع في الصين إلي الولايات المتحدة فإن الأرباح تصب في جيوب أمريكية وليست صينية.. وهذه ملاحظة جديرة بالاعتبار تمامًا.

>> كما يلاحظ هؤلاء الخبراء مثلا أن الصين استوردت خلال السنوات العشرين الماضية حوالى 1000 طائرة بوينج بمختلف طرازاتها، وأن الربح المتحقق من (الطائرة الواحدة) يعادل الربح المتحقق من (50 مليون زوج من الأحذية) التي يشكو الأمريكيون من إغراقها لأسواقهم!! (حديث بالغ الأهمية للخبير الاقتصادى المصري علاء عبدالحميد: تليفزيون الـBBC باللغة العربية 24/ 3/ 2018 ــ الساعة 11 مساء على يوتيوب).

وبتعبير آخر فإن القيمة المضافة التي يجنيها الأمريكيون من صادراتهم المتقدمة تكنولوجيا إلي الصين أكبر بكثير من نظيرتها التى يحققها الصينيون من صادرات أقل تقدما للسوق الأمريكية.. وإذن فليس هناك ما يدعو لكل هذا الصراخ الذى يطلقه ترامب!! وكأن الصين تسرق أمريكا وتنهبها!!.. والواقع أنها رؤيةتملك الكثير من الوجاهة بدورها.

ومهما يكن من أمر فالمؤكد أن الإجراءات العنيفة التي يتخذها ــ وسيتخذها ـ ترامب قد تنعش الأمزجة (الوطنية) والتوجهات (الحمائية) لدى كثير من رجال الأعمال والمواطنين الأمريكيين، لكن من الواضح أنها لن تبقي دون رد، وأن الرد قد يكون مؤلما الآن.. وأكثر إيلامًا على المدى الأطول.. وهذا ما ينطبق على البورصة الصينية للعقود النفطية الآجلة بوضوح تام.

ولا ينبغى أن ننسى أن ترامب قد بدأ عهده بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة عبر الباسيفيكى.. المحيط الهادى.. ملحقا الضرر بعدد غير قليل من الدول الآسيوية من شركاء أمريكا التجاريين.. وأن هؤلاء سيسعون لتعويض خسائرهم.. وأن بكين كانت قد سارعت لمد يدها إليهم.. وأنهم قد يجدون عندها بعض التعويض.. فالصين أيضا مستورد كبير، وهى أيضا مصدّر كبير للاستثمارات كذلك.. وحصارها وإنزال العقوبات بها ليس بالأمر السهل.. كما أن توتر العلاقات السياسية معها قد تكون عواقبه وخيمة.. وهو ما يبدو أن ترامب وفريقه (الصقور) في إدارته لا يقيمون له الاعتبار الكافي، فيمضون بعيدا في قضية توتير علاقات بلادهم بالصين، بعد أن مضوا بعيدا جدا في تصعيد التوتر مع روسيا.. وبالتالى يزداد التحالف عمقا وقوة بين موسكو وبكين.. الأمر الذى يمكن أن يصب فى مصلحة أمريكا..وقد يكفي أن نشير إلي تصريح وزير الدفاع الصينى الجديد في مؤتمر الأمن الدولى في موسكو (4/ 4/ 2018).. والذى يقول فيه للروس: إننى هنا لأظهر للعالم كله عمق تحالفنا في جميع المجالات.. وتطابق وجهات نظرنا بشأن جميع القضايا العالمية.. وهو تصريح غير  مسبوق ويتضمن رسالة واضحة لأمريكا بالذات..

باختصار فإن إشعال الحرب التجارية العالمية يمكن أن يشيع الفوضي في الاقتصاد العالمي بما لا يمكن أن ينجو منه أحد حتى الولايات المتحدة بكل ضخامة اقتصادها (راجع مقالنا: هل يشعل ترامب شرارة الحرب التجارية العالمية ـ 2/ 2ــ الأموال  ـ 25/ 3).. والأخطر من ذلك أن تصاعد التوتر العالمى علي خلفية الصراعات التجارية والاقتصادية يمكن أن يؤدى إلي اشتعال حرب عالمية حقيقية..نووية.. تدمر الجميع.. وأن من الضرورى أن تبرد بعض الرءوس الحامية في واشنطن. وأن تجلس الدول الكبري إلي مائدة التفاوض للبحث عن حلول للنزاعات المحتدمة بينها، علي أساس مراعاة مصالح جميع الأطراف، واحترام قواعد التجارة العالمية والاتفاقيات التجارية الدولية حتى لا تسوء العاقبة بالنسبة للجميع.. وبالمناسبة فإن الدول الصغيرة مثلنا ستكون في مقدمة من تدهسهم الأقدام..

ولهذا نكرر النداء لإعلامنا بأن يولى مزيدًا من الاهتمام للأحداث الكبرى والخطيرة التي تدور في العالم من حولنا، قبل أن تدهمنا آثارها ونحن في غفلة من أمرنا.

مصر للطيران
الصين الدولار الأمريكى الأسواق التجارية العالمية الإعلام العربي

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE