الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 04:58 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

ماجد علي يكتب: خريطة طريق جديدة للتمويل المستدام في مصر.. كيف؟

الأموال

ثمة حقيقة دامغة لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد أو خائن أو أحمق وهى كيف حمى الجهاز المصرفى «مصر»؟ وأنقذها من السقوط في مستنقع إفلاس لم يكن في مقدور أحد التوقع بمداه أو حساب عواقبه علي الحياة الاقتصادية وأحوال لقمة العيش علي أرضية زلزال الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 التي ماتزال توابعها مستمرة حتى الآن بعد أن سقطت دول وتلاشت بنوك ومؤسسات مالية ضخمة.. ولولا البنوك والجهاز المصرفي لعصفت ثورة يناير وتوابعها بالبلاد والعباد لكن لولا ما جرى منذ 2003 من إصلاح مصرفي طال كل الأطر التشريعية والتنفيذية والفنية التي تعمل من خلالها البنوك والمؤسسات المالية في مصر ما حصَنَ الاقتصاد القومى وحماه من الانزلاق في نفق الضياع.

وأحسب أن دور الجهاز المصرفى يظل محوريًا واستراتيجيًا فى دعم الاقتصاد وتوفير التمويل الآمن للإنتاج والاستثمار ودورة الحياة ولقمةالعيش.. وحيث إن العالم كله يعيش في خضم ثورة تكنولوجية ورقمية هائلة.. فإن التخلف عن الركب والتخلي عن الطموح في الريادة يُفقدنا كثيرًا من نقاط القوة وعوامل الجذب التي حققها الاقتصاد طيلة الأربع سنوات الماضية ناهيك عن بعض المشاكل الهيكلية في بنية السياسات الاقتصادية والمالية قصيرة الأجل التي تتعامل مع اقتصاد الشارع والفئات الأولي بالرعاية من الشعب التى أتعبتها ارتفاعات الأسعار وموجات الغلاء منذ تعويم الجنيه وحتى الآن.

إن التحديات الجُسام التي تواجه الدولة المصرية عامة واقتصادها خاصة بفرض علي القائمين علي أمر السياسات النقدية وكذا السياسات الاقتصادية والمالية.. إعادة النظر في استراتيجيات تلك السياسات وتدشين خرائط طرق جديدة تتواكب مع التغييرات المتلاحقة في ثورة التكنولوجية الرقمية من جهة وتضع مصر في مكانتها اللائقة من جهة أخرى بما يُلبى طموحات وآمال شعب دفع ومايزال يدفع من دم أبنائه ثمنًا للقمة عيش كريمة وحرية وعدالة اجتماعية وأمن واستقرار.

ولقد كان تأسيس المجلس القومى للمدفوعات برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى بمثابة إدراك ذكى وفعال في التعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية هذا فضلا عن استراتيجية الشمول المالى التى بدأ تنفيذها في الجهاز المصرفي والبنوك ومؤسسات الدولة المالية قبل أكثر من عامين.

وإزاء تصاعد وتسارع المبادرات والدعوات والتى تحول بعضها إلى تحالفات وكيانات عالمية تضم بنوكًا ومؤسسات مالية ضخمة والتي تطالب بتوفير «التمويل المستدام» الذى يراعى تأثيرات ونواتج التغييرات البيئية والبنية المجتمعية ومخاطر الصراعات والحروب والمجاعات والفقر.. فإن الجهاز المصرفي في مصر الذى يقوده البنك المركزى المصرى لديه من الإمكانات والقدرات التي تجعل لنا الصدارة والريادة في هذا الشأن.

وقد كشف تقرير حديث للبنك المركزى عن ارتفاع المركز المالى للبنوك بخلاف «المركزى» إلى 5 تريليون و445 مليار جنيه بنهاية أكتوبر 2018.. ووصلت الودائع في البنوك إلى 3 تريليون و569 مليار جنيه بنهاية يونيه الماضى فيما زادت السيولة المحلية إلي 3 تريليونات و563 مليار جنيه بنهاية يونيه 2018 ووصل حجم التسهيلات الائتمانية إلي 1.683 تريليون جنيه استأثر قطاع الأعمال الخاص منها بـ 61٪ بنهاية أكتوبر الماضى، ويبلغ عدد البنوك العاملة في مصر 38 بنكًا يعمل بها 115 ألف موظف تحت رقابة وإشراف البنك المركزى المصرى المسئول الأول عن السياسات النقدية.

والسؤال الذى طرح نفسه وبقوة علي أرضية مشاركتى في ندوة تثقيفية ضمت محرري البنوك فى الصحف والإعلام المصرى نظمها اتحاد بنوك مصر الأسبوع الماضى وتحديدًا لجنة التنمية المستدامة في الاتحاد برئاسة الدكتورة داليا عبدالقادر المدير العام في البنك العربى الافريقى.. السؤال هل نحن قادرون كجهاز مصرفي وبنوك أن نعتلى عرش الريادة في مجال «الصيرفة المسئولة» أو «التمويل المستدام» كاتجاه تتصاعد وتيرته وتتسارع تفاعلاته في الاقتصاديات العالمية خلال العقدين الأخيرين..

إن الإجابة علي هذا السؤال تتطلب الإجابة عن تساؤلات فرعية أولا:

- هل البيئة أو المناخ الذى يعمل فيه الجهاز المصرفي في مصر ملائم الآن.. أو بمعنى آخر هل يتوافر إطار تشريعى أو تنظيمى لتطبيق استراتيجية التمويل المستدام والصيرفة المسئولة؟

- هل هناك تنسيق بين البنك المركزى واتحاد البنوك الذى يرعى مبادرة الصيرفة المسئولة والتمويل المستدام؟

- هل يتوافر الوعى المصرفي أولا لدي العاملين في البنوك المصرية ومؤسسات الدولة المختلفة بأهمية وماهية وتحديات وأطر ونظم ومبادئ الصيرفة المسئولة أو التمويل المستدام؟

- هل تتوافر قناعات لدي قيادات الإدارات العليا في كل بنوك مصر بهذا التوجه الجديد؟.. أم أن هناك مقاومة من البعض مدعمة بميراث ثقيل من البيروقراطية والأيدي المرتعشة في بعض البنوك..

- هل فكرة التنمية المستدامة التي دشنتها «الأمم المتحدة» غدت ضمن استراتيجية الدولة المصرية عامة والبنوك والجهاز المصرفي خاصة؟

- هل نحن في حاجة إلى إعادة تعريف التمويل المصرفي ومخاطره من جديد علي ضوء معطيات وتفاعلات الاتجاهات الحديثة في التمويل المستدام والصيرفة المسئولة وعلاقتها بديموجرافية البيئة والسكان والمجتمع ومخاطر الصراعات والحروب والفقر والمجاعة؟

- هل تتوافر معايير لقياس نتائج تطبيق هذه المبادرة علي البنوك ــ لجنة التنمية المستدامة في اتحاد بنوك مصر وبمشاركة ممثلى 11 بنكا أعضاء اللجنة في لقاء امتد أكثر من ساعتين حاولت الإجابة عن تساؤلاتى السابقة من خلال شرح واف ومبسط وذكى من الدكتورة داليا عبدالقادر رئيسة اللجنة ورفاقها ممثلي البنوك المصرية؟

قالت د. عبدالقادر ـ وهى المسئولة ذات الوقت عن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ـ في مبادرة الصيرفة المسئولة من قبل المبادرة المالية الخاصة ببرنامج الأمم المتحدة مع نوفمبر 2018 ـ إنها ستلتقى الأسبوع المقبل ممثلي البنوك المصرية بشرح هذه المبادرة والتوعية بأهمية انضمام البنوك المصرية لها، حيث لم ينضم لها حتى الآن سوى بنكين هما البنك التجاري الدولى مصر CIB والبنك العربي الافريقى الدولى.

ولفتت إلى تنسيق يجرى مع البنك المركزى في هذا الشأن مؤكدة أن مصر يمكن أن تحقق ريادة في هذا المجال مشددة في الوقت ذاته على حتمية اعتماد وتطبيق الصيرفة المسئولة.

وقالت داليا: إن مبادئ الصيرفة المسئولة تتوافق مع استراتيجية التنمية المستدامة لمصر 2030.

ففي أعقاب إطلاق مبادئ الصيرفة المسئولة Principles for Responsible Banking من قبل المبادرة المالية الخاصة ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة United Nations Environmental Programme - finance Imitiative في نوفمبر 2018 بباريس وفي ضوء حرص اتحاد بنوك مصر على دعم جهود البنك المركزي المصري نحو الشمول المالي والتمويل الأخضر ونحو تفعيل دور القطاع المصرفي في تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة 2030، تسعي لجنة التنمية المستدامة باتحاد بنوك مصر لنشر الوعى حول ثقافة التمويل المستدام ومبادئ الصيرفة المسئولة.

يأتي ذلك في إطار الحرص علي بلورة دور القطاع المصرفي المصري وتعزيز ريادته في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية وقدرته علي إعادة تعريف دور المؤسسات المصرفية في تحقيق نمو متوازن بأبعاده الاقتصادية والبيئية والمجتمعية لتفعيل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة SDGs والتي وقعت عليها مصر ضمن 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، إضافة إلى اتفاقية باريس للمناخ Paris Climate Agreement

وتهدف مبادئ الصيرفة المسئولة في مجملها، إلى تطوير مفهوم إدارة المخاطر لتشمل المخاطر البيئية والمجتمعية وتشجيع البنوك على تمويل مشروعات تخدم البيئة والشمول المالي، إضافة إلى أحكام تطبيق مبادئ الحكومة والشفافية، وتتضح أهمية المبادئ في تحديد تنافسية ومصداقية المؤسسات المصرفية في ظل نطاق عالمي يشهد تحول - بإيقاع  سريع - نحو التنمية المستدامة والتمويل المستدام، خاصة بعد توقيع اتفاقية باريس للمناخ عام ٢٠١٥.

وبطرح مبادئ الصيرفة المسئولة، تكتمل منظومة مسؤولية القطاع المالي بأكمله حيث تم طرح مبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول “Principles for Responsible Investment” في عام 2006 ومبادئ التأمين المستدام “Principles for Sustainable Insurance” في عام 2012. تعكس مبادئ الصيرفة المسئولة توجها جديدا للمؤسسات المالية في أعقاب الأزمة المالية لعام ٢٠٠٨ وهي خطوة جادة نحو الحد من الفجوة بين الممارسات المصرفية والأهداف البيئية والمجتمعية.

تشمل المبادرة ستة مبادئ وهى: «المواءمة Alignment» إذ تتعهد المؤسسات المصرفية  بمواءمة استراتيجياتها لتساهم في تحقيق اهداف التنمية المستدامة، أما المبدأ الثاني فهو «التأثير»  Impact فيشمل تكثيف الآثار الإيجابية للمؤسسات المصرفية والحد من الآثار السلبية على البيئة والمجتمع، إضافة إلى إدارة المخاطر البيئية والاجتماعية الناتجة عن ممارساتها المصرفية.

والمبدأ الثالث يخص العملاء Clients and Customers، وأهمية العمل عن قرب مع العملاء لتشجيع الممارسات المستدامة وتمكين الأنشطة الاقتصادية المستدامة التي من شأنها أن تخلق فرص نمو ورخاء للأجيال الحالية والمستقبلية، والمبدأ الرابع «الأطراف المعنية» Stakeholders يختص  باستشارة والتواصل مع كل الأطراف المعنية لتحقيق الاهداف المجتمعية.

والمبدأ الخامس Governance and Target Setting يتمثل في تفعيل سياسات الحوكمة وترسيخ ثقافة الصيرفة المسؤولة التي تستدعي تحديد أهداف تتعلق بالمجالات الأكثر تأثيرا لهم والتي من شأنها التوجه العام نحو التنمية المستدامة. والمبدأ السادس والاخير يركز علي الشفافية والمسئولية Transparency & Accountability والذي يستلزم مراجعة التنفيذ الفردي والجماعي لهذه المبادئ بشكل دوري لضمان الشفافة ومسئولية المؤسسات المالية في الإفصاح عن الاعمال والتأثيرات الإيجابية والسلبية والمساهمة في أهداف المجتمع.

وقد شارك في هذه المبادرة بنكان أكبر البنوك العاملة بمصر وهما البنك العربي الإفريقي الدولي والبنك التجاري الدولي ضمن نخبة من ٢٨ مؤسسة مصرفية من مختلف دول العالم والتي تستثمر في أصول بقيمة 61 تريليون دولار.

يذكر أن مصر هي الدولة الوحيدة - من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا - الممثلة في هذه المبادرة.

وتهدف لجنة التنمية المستدامة باتحاد بنوك مصر علي نشر الوعي بالمبادئ لتكون المؤسسات المصرفية المصرية –خاصة الأكثر نشاطا في مجال المسؤولية الاجتماعية والتمويل المستدام - في مقدمة التوجه العالمي نحو تعزير وإقرار المبادئ وتصبح مصر في مقدمة دول العالم لإرساء هذه المبادئ لتحقيق التنمية المستدامة. والجدير بالذكر ان اتحاد بنوك مصر قد انضم لشبكة الاستدامة المصرفية Sustainable Banking Network في نوفمبر 2016.

تضم لجنة التنمية المستدامة باتحاد بنوك مصر 11 بنكا هي البنك العربي الإفريقي الدولي والبنك التجاري الدولي CIB وبنك قطر الوطني الأهلي QNB والبنك الأهلي المصري وبنك التنمية الصناعية والعمال المصري وبنك كريدي أجريكول وبنك القاهرة والمصرف المتحد، وبنك الإسكندرية والمصرف العربي الدولي.

وأخيرًا وليس آخرًا.. فإن التحدى الأكبر الذى يواجه تنفيذ واعتماد هذه الاستراتيجية في البنوك والجهاز المصرفي المصرى.. هو كيفية بناء منظومة عمل أو «سيستم» يحظى بقناعة الإدارات العليا والقيادات المصرفية والعاملين أنفسهم وغطاء شرعى ولوجيستى من البنك المركزى المصرى المسئول الأول عن السياسات النقدية والرقيب على الجهاز المصرفى.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE