الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 08:24 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مصر وإعادة إعمار سوريا

الأموال

بعد شد وجذب استمرا طويلا أصبح فى حكم المقرر اجتماع القمة الاقتصادية العربية في بيروت يومى 19 و20 من شهر يناير الجارى وبدون حضور سوريا، الذى كان موضوع الشدّ والجذب.. وبهذا يتأجل موضوع المشاركة العربية الشاملة في عملية إعادة إعمار سوريا إلي القمة القادمة، وهذا أمر مؤسف بالفعل.. لكنه لا ينبغي أن يعيق مصر عن القيام بالدور الذي تراه متناسبًا مع مسئولياتها القومية باعتبارها كبري الدول العربية من ناحية وبمستوى تطور علاقاتها مع الشقيقة سوريا.. وهو مستوي أفضل وأكثر تقدما من مثيله بين عواصم عربية أخري وبين دمشق من ناحية ثانيا، وبما يحقق المصالح المتبادلة لاقتصاد البلدين من ناحية ثالثة.

وأى حديث عن الاقتصاد السوري، والعلاقات الاقتصادية مع دمشق تتصدره بالضرورة قضيتان مترابطتان عضويا هما قضيتا إعادة إعمار سوريا بعد الدمار الهائل الذى سببته الحرب علي مدي أكثر من سبعة أعوام، وقضية عودة اللاجئين «إلي خارج البلاد»، والنازحين «داخل البلاد» السوريين إلى ديارهم.. وقد برزت هاتان القضيتان إلي صدارة جدول الأعمال بعد الانتصارات العسكرية الكبيرة التى حققتها القوات السورية والحليفة خلال ربيع وصيف 2018.. نعنى تحرير الغوطة ومناطق جنوب غرب وجنوب سوريا، بحيث أصبح الجيش العربي السورى يسيطر علي المنطقة المركزية من البلاد، الممتدة من درعا والسويداء (علي الحدود مع الأردن) والقنيطرة (علي الحدود وعلي الجولان المحتل) جنوبا.. إلي الأجزاء الكبرى من حلب وحماة شمالا.. وامتدادا إلي حمص وتدمر والمناطق الوسطى من البلاد.. وصولا إلي دير الزور والحدود السورية مع العراق، شرقا.. وهى مناطق تمثل حوالى (70٪) من مساحة البلاد، وتضم المدن الكبري والعاصمة (دمشق) والتجمع الأكبر من سكان البلاد.. وتبقى منطقة الشمال الشرقى (محافظة الحسكة والرقة، وأجزاء من دير الزور) والشريط الحدودى مع تركيا شمالي حلب، وصولا إلى إدلب في الشمال الغربى.. ولها ظروف لا يتسع المقام لتناولها هنا.

تحرير المنطقة المركزية من البلاد، بما فيها المدن الكبرى والموانئ والكتلة السكانية الأساسية، برز إلى صدارة جدول الأعمال بجدارة قضيتى إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

>> ومعروف أن الحرب التي شارك فيها أكثر من 100 ألف إرهابي أجنبى من حوالي مائة دولة، بالإضافة إلى عناصر المخابرات والقوات الخاصة من تركيا وغيرها من الدول الأجنبية (الغربية أساسا) وإلى عشرات أو مئات الآلاف من السوريين الذين جندتهم المنظمات الإرهابية طوعًا أو كرهًا..  وامتدت من عام 2011 حتى الآن قد ألحقت دمارًا هائلا بالمدن والبلدان والقرى التى امتدت إليها.. وهى تنتشر في الأغلبية الكبري من ساحة البلاد.. كما ألحقت الدمار بالمشروعات الاقتصادية ومرافق البنية التحتية.. ويقدر خبراء الأمم المتحدة نسبة الدمار بحوالي (80 ـ 90٪) من المدن والبلدات التي طالتها الحرب!! فقد شهدت أغلب تلك المناطق كرًا وفرًا لمرات كثيرة.. يحتلها الإرهابيون، ثم تحررها القوات السورية والحليفة، ثم تعود القوات السورية فتحررها، وهكذا.. وفي كل مرة تتسبب المعارك في مزيد من الدمار.. فضلا عن أن المنظمات الإرهابية كانت تعمد باستمرار إلي تدمير المبانى والمنشآت، وتفخيخ المنازل.. لنسف كل ما يمكن نسفه في حالة اضطرارها للانسحاب!! وهذا السبب في وجود نسبة الدمار الهائلة التي ذكرت (80 ــ 90٪) في عديد من المدن والبلدات..

إن مدينة كـ«الرقة» مثلا هدمتها طائرات التحالف الأمريكى فوق رؤوس سكانها من الإرهابيين والمدنيين بلا تمييز، بحيث ينذر أن تجد فيها مبني غير متهدم.. ولايزال الناس يجدون جثث الموتى تحت أنقاض المباني حتى الآن.

نذكر هذه التفاصيل لنقول إن إعادة الإعمار الهائلة.. وتقدرها الأم المتحدة بأكثر من 1100 مليار دولار.

ومن ناحية أخرى فإن الحرب، وما صاحبها من دمار ومن فظاعات ومذابح المنظمات الإرهابية (داعش والنصرة وغيرها) قد أدت إلي حركة هجرة ونزوح شديدة الضخامة شملت أكثر من نصف سكان البلاد (25 مليون نسمة).. وقد هاجر من سوريا حوالي 7 ملايين لاجئ.. ونزح من منازلهم وبلداتهم ومدنهم حوالى 6 ملايين نازح.. بمجموع إجمالي يبلغ 13 مليون لاجئ ونازح في واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في التاريخ.

ومعروف أن الجزء الأكبر من النازحين كان ينتقل من مناطق سيطرة داعش والنُصرة، إلي مناطق سيطرة الحكومة السورية، بحثًا عن الأمن والمأوى والعمل أو المساعدات الإنسانية.

أما اللاجئون فقد انتقل نحو 3 ملايين منهم إلي تركيا. وما يقدر بـ1.3 مليون إلي لبنان ــ فيهم 700 ألف فقط مسجلون في سجلات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومثلهم إلي الأردن (منهم 700 ألف) مسجلون، وحوالى نصف مليون إلي مصر، ونصف مليون آخر إلي العراق، وحوالي 700 ألف إلي ألمانيا، وأعداد أقل إلي بلدان أخرى.. وبينما يعيش أغلب اللاجئين السوريين إلي مصر في منازل عادية، ونجحوا في افتتاح وإدارة مشروعات صغيرة ناجحة.. فإن عددًا كبيرًا من اللاجئين إلي الأردن ولبنان وتركيا يعيشون في مخيمات تعيسة تعصف بها رياح الشتاء كل عام، ويموت الأطفال من البرد (بالمعنى الحرفى للكلمة).. وتزخر شاشات التليفزيون هذه الأيام بصور الخيام التي تعصف بها أو تغرقها أمطار الشتاء الغزيرة، وبصور من التعاسة الإنسانية تذيب أكثر القلوب تحجرًا.

كما تنتشر البطالة علي نطاق واسع بين هؤلاء اللاجئين.. ويحصل المسجلون منهم في سجلات مفوضية اللاجئين علي مساعدات بسيطة.. بينما يواجه الباقون أقدارهم..

أما النازحون فهم أفضل حالا بالطبع، إذ يحصلون علي مساعدات من الدولة السورية، ومن روسيا وبعض المنظمات الدولية.. لكن أوضاعهم مأساوية بشكل عام هم الآخرون.

لذلك كان لزامًا علي الدولة السورية أن تسعى لوضع حد لهذه المأساة.. بإعادة اللاجئين والنازحين إلي ديارهم.. لكن هذا يصطدم طوال الوقت بضرورة إعادة الإعمار في المناطق التي أصبحت خاضعة لسلطة الدولة.. علمًا بأن عودة الناس إلي بيوتهم لا تحتاج إلي الأمن فقط بالطبع.. فلابد لهم من بيوت ومرافق.. ولابد من أعمال ليُعيلوا عائلاتهم.. ولابد من مدارس للأطفال، ومستشفيات لعلاج الناس.. إلخ.. إلخ..

الغريب أن الدول الغربية وغيرها «مثل تركيا وبعض الدول العربية» التي ساعدت الإرهابيين علي غزو وتدمير سوريا، كانت تمتنع عن تقديم أي مساعدات إنسانية حتى للنازحين في مناطق سيطرة الحكومة السورية.. وتُقصر مساعداتها علي النازحين في مناطق سيطرة المعارضة سواء كانت هذه المعارضة عبارة عن منظمات إرهابية صريحة.. أو «منظمات مسلحة».. هى بدورها إرهابية.. وكنا نسميها فى مقالاتنا بالمنظمات «الإرهابية المعتدلة»!! سخرية من هذا التقسيم غير الواقعى ولا الموضوعى.. وقد دأبت تلك المنظمات علي سرقة المساعدات الإغاثية الدولية، وعدم توصيلها إلي النازحين إلا في أضيق الحدود..

< < <

نقطة التحول

وقد ذكرنا في بداية مقالنا أن الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش العربى ـ السورى ربيع وصيف عام 2018 المنقضى فرضت قضيتى إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين والنازحين علي صدارة جدول الأعمال في سوريا، وتقدمت سوريا وروسيا بمبادرة لإعادة اللاجئين السوريين وتحريك قضية إعادة الإعمار، بما تحتاجه من مواد هائلة، لكن الدول الغربية المسيطرة علي المفوضية العليا للاجئين بدأت في طرح شروط جديدة للمساعدة، واشتراط ضمانات أمنية وسياسية عديدة للموافقة علي عودة اللاجئين.. وينطلق (التسييس) لقضية إنسانية بطبعها من إدراك لأن كل تقدم في عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم يعنى تعزيزًا لشرعية (النظام السورى) الذى كانت الدول الغربية الكبرى (وتركيا وبعض الدول العربية) تشترط الإطاحة به كخطوة نحو التسوية السياسية!

غير أن الوقائع العسكرية الجديدة علي الأرض والجهود الدبلوماسية والسياسية الحثيثة من جانب موسكو ودمشق نجحت في تحريك القضية من النقطة الميتة.

وكانت قمة اسطنبول (27 أكتوبر2018) بحضور كل من روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا)، خطوة مهمة في هذا  الصدد، حيث أبدت الدولتان الغربيتان الكبيرتان انفتاحًا على مسألة المساعدة في دعم الجهود الإنسانية والإغاثية للحكومة السورية.. كما أبدتا استعدادًا مشروطًا لدعم جهود إعادة الإعمار في حالة تقدم جهود التسوية.. ولابد هنا من الإشارة إلى أن موجة الهجرة السورية، وما رافقها من تسرب للعناصر المتطرفة والإرهابية، كانت حافزًا بالغ الأهمية لتحرك الدولتين الغربيتين الكبيرتين في هذا الاتجاه، بعد أن عانتا من وقوع عمليات إرهابية مؤثرة للغاية، بسبب تسرب الإرهابيين ضمن المهاجرين السوريين.

ثم كان افتتاح سفارة دولة الإمارات العربية في دمشق أواخر ديسمبر الماضى خطوة مهمة في اتجاه مراجعة عدد من الدول العربية المؤثرة لسياستها تجاه سوريا، على ضوء النتائج العسكرية الهامة التي نجح الجيش العربي السورى وحلفاؤه في تحقيقها على الأرض.. واعتراف أغلب الدول الغربية الكبري بانتصار دمشق في معركة المصير، وعبثية شرط رحيل الرئيس السورى بشار الأسد ونظامه عن السلطة،وحينما تتحدث عن الإمارات فنحن لا نتحدث عن السياسة وحدها.. بل ينفتح الباب بالضرورة للحديث عن الاقتصاد والاستثمارات وإعادة الإعمار.

ويعيدنا هذا إلي الحديث عن الدور الذى يمكن، وينبغى أن تقوم به مصر..

وللحديث بقية

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE