الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 05:57 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : خواطر ساخنة عن الموجة الباردة

الأموال

موجة البرد الشديد والطقس السىئ التى تعرضت لها مصر طوال الأسبوع الماضى.. ورغم أنها تكررت بنفس الشدة فى سنوات سابقة، إلا أنها هذه المرة فى هذه الأيام بدت بالغة القسوة ويصعب تحمّلها، خاصة على كبار السن من أمثالى بفعل وبحكم الطبيعة البشرية، حيث تضعف المقاومة مقارنة بالشباب وعلى النحو الذى يستدعى المقولة الشعرية المتواترة «ألا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما فعل المشيب»، مع ملاحظة أن الجميع من كل الأعمار يشكون من قساوة هذه الموجة الباردة.

هذا البرد الشديد الذى داهمنا مع بدء فصل الشتاء جغرافيًا.. يثير الكثير من الخواطر التى تدعو للتأمل فى أحوال الناس فى بلادنا على اختلاف أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية ونوعية وطبيعة أعمالهم، بقدر اختلاف أماكن إقامتهم بامتداد خريطة مصر.. شمالا وجنوبا وشرقًا وغربًا ومن ثم تباين درجات الحرارة أو بالأحرى درجات البرودة.

< < <

وإذا كنا نحن سكان القاهرة نتوجع ونقاسى فى مواجهة هذه الموجة شديدة البرودة، وحيث وصلت درجة الحرارة الصغرى فى الليل إلى 7 درجات خلال الأسبوع الماضي، فمن المؤكد أن معاناة ووجع سكان محافظات الشمال (الاسكندرية ومطروح ودمياط وكفرالشيخ) أشد قسوة مثلهم مثل أهالى سيناء والصعيد، بينما ذروة المعاناة كانت فى منطقة «سانت كاترين» جنوب سيناء والتى وصلت درجة الحرارة إلى أدنى معدلات فى مصر كلها مسجلة (7) درجات تحت الصفر.

< < <

تداعيات هذه الموجة شديدة البرودة أصابت على سبيل المثال الصيادين فى أرزاقهم بسبب ارتفاع الأمواج وهو الأمر الذى يستدعى بل يدعو إلى التعاطف مع أصحاب هذه الحرفة التى تُعد مصدر الرزق الوحيد لأسرهم.

وسط هذه الموجة من الطقس السيئ، فإن قلبى مع الأطفال الصغار من تلاميذ المدارس الذين تصادفت امتحاناتهم مع هذه الأيام، والذين تضطرهم الامتحانات إلى الخروج فى الساعات الأولى من الصباح الباكر.

< < <

فى هذه الأجواء.. ومتأملا من يضطرهم السعى على الرزق ولقمة العيش إلى أداء أعمالهم فى الصباح الباكر أو فى الليل شديد البرودة وفى مقدمتهم عمال النظافة وعمال البناء والتشييد خاصة فى المدن الجديدة.. فى الصحراوات.. متأملا أحوال هؤلاء المكافحين الشرفاء.. أجدنى أنحنى لهم احترامًا وتقديرًا.. متضرعًا أن يكون المولى فى عونهم، فهؤلاء بأيديهم الخشنة التى تتحدى قسوة الطبيعة أيد يحبها الله ورسوله كما جاء فى الحديث الشريف.

< < <

ثم مستدعيًا ومتخيلا أحوال أهالينا من الفقراء البسطاء الذين يعيشون فى بيوت أشبه بـ«العشش» بلا سقف يحميهم من قسوة البرد والمطر الذى يهطل على فُرشهم ويغرقها بينما لا يملكون ما يكفى من الملابس الثقيلة والأغطية الكافية التى تقيهم من تلك القسوة.. مستدعيًا ومتخيلا أحوال هؤلاء الناس من شركاء الوطن.. أجدنى أتصور وأتخيل أن أيادى الكرماء من أهل الخير والمروءة سوف تمتد إليهم بالعون.. التزامًا إنسانيًا ومجتمعيًا ووطنيًا وقبل ذلك تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى.

< < <

ثم تقودنى خواطرى الشتوية إلى خارج الحدود.. إلى سوريا واليمن.. إلى أشقائنا العرب اللاجئين المشردين عن أوطانهم وديارهم.. يعانون بردًا أشد قسوة، حيث الصقيع والثلوج المنهمرة على مخيماتهم لتزداد معها معاناة النزوح عن الوطن، وكأن الطبيعة بقسوتها تحالفت مع أهوال الحروب وما خلفته من دمار وخراب، حتى لبنان الذى يأوى لاجئى سوريا فقد تعرض لأسوأ طقس غير مسبوق منذ سنوات ليغرق فى الثلوج والأمطار الغزيرة التى عطلت حركة الحياة وأغرقت مخيمات اللاجئين السوريين.

< < <

ومتأملا هذا البرد القارس ومقارنته بما تشهده أوروبا على سبيل المثال.. حيث الصقيع والثلوج.. أجدنى أردد مقولتنا التراثية الشعبية «إحنا أحسن من غيرنا»، ولنتحمل أيامًا معدودات ثم تعاود درجات الحرارة ارتفاعها لتصل إلى المعدلات المحتملة نسبيا فى بلادنا.

لكى يبقى الإقرار بأن المناخ فى مصر.. مناخ البحر المتوسط الذى وصفته الكتب الدراسية وكما تعلمنا ونحن صغار بأنه حار جاف صيفا.. معتدل ممطر شتاء.. قد تغير تمامًا إذ صار شديد الحرارة مرتفع الرطوبة صيفًا.. شديد البرودة قليل المطر فى أغلب الأنحاء شتاء.

والحقيقة أن المناخ لم يتغيّر فى مصر وحدها أو فى منطقة البحر المتوسط فقط، ولكنه تغيّر فوق الكرة الأرضية كلها، وهو ما أقرت به الهيئات العلمية العالمية المتخصصة، بل إن الأرض سوف تشهد تقلبات وتغيرات مناخية ملحوظة خلال السنوات والعقود المقبلة، حيث بدا واضحًا أن السبب هو تزايد النشاط الصناعى غير المنضبط مضافًا إليه التفجيرات النووية التى أحدثت وسوف تُحدث خللا مناخيًا كبيرًا من صنع الإنسان.

< < <

مع كل ما سبق من خواطر وسط هذا البرد القارس.. تبقى الخاطرة الأهم والأكثر إلحاحًا والتى توقفت معها كثيرًا.. مستدعيًا مشاهد ومواقف أبطال الجيش المصرى من الجنود والضباط الذين يؤدون أشرف وأقدس مهمة وطنية ليلا ونهارا فى هذه الأجواء القاسية لحماية وحراسة حدود الوطن.. شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ومعهم جنود وضباط الشرطة الذين يؤدون ذات المهمة الوطنية ولكن فى حماية الأرواح والأعراض وحراسة الممتلكات العامة والخاصة ومقدرات الدولة والذين أضيفت إليهم مهمة مقدسة أيضًا فى الحرب ضد الإرهاب الأسود.

فى هذا البرد شديد القسوة فإن تضحيات جنود الوطن فى الجيش والشرطة تتضاعف قيمتها ويعلو قدرها بقدر ما يعلو قدرهم وحسبهم جزاؤهم فى الآخرة إذ ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم «عينان لا تمسهما النار.. عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله».

< <<

تلك الخواطر.. تداعت أمامى ليلا بينما انخفضت درجة الحرارة إلى 7 درجات.. وجدتنى مدفوعًا لاستعراضها فى هذه السطور. مترقبًا كغيرى من المصريين تحسن الأحوال.. أحوال الطقس وكل الأحوال فى مصر.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE