الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 06:42 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : زلزال أرضى.. وزلزال اجتماعى في وداع 2018

الأموال

 

رغم تكرار حوادث وجرائم قتل الأزواج والزوجات في الفترة الأخيرة، وهى نوعية من الجرائم كانت شديدة الندرة في المجتمع المصرى في عقود سابقة، وكان ارتكابها لأسباب تتعلق بالشرف وخيانة الزوجة غالبا، وفي أحيان أخرى في سياق «التيمة» الدرامية التقليدية (الزوجة والزوج المخدوع والعشيق).

رغم جرائم قتل الأزواج والزوجات، ورغم أنها لم تتحول إلى ظاهرة، إذ لاتزال حالات محدودة متفرقة، إلا أن تكرارها بات أمرًا مُقلقًا.. اجتماعيًا وأخلاقيا وانتهاكًا صارخًا للقيم الاجتماعية المصرية والعقيدة الدينية وعلي نحو يمثل خطرًا يهدد مؤسسة الأسرة.

أما الأكبر خطرًا والأكثر مدعاة لقلق أشد فهو جرائم العنف والقتل الأسرى الجماعي، وهي الجرائم التى تكررت في السنوات الأخيرة وعلى نحو مروع وشديد البشاعة والوحشية، والتي كان آخرها جريمة الطبيب الشاب الذى قتل زوجته وأبناءه الأطفال الثلاثة في منطقة سخا بمدينة كفرالشيخ الأسبوع الماضى فى آخر أيام العام المنقضى 2018.

< < <

بشاعة هذه الجريمة التي روّعت جيران أسرة الطبيب القاتل وهزت مدينة كفرالشيخ ومصر كلها.. لاتزال لغزًا محيّرًا يصعب التوصل إلي حله وفك أسراره حتي الآن، إذ لا تفسير منطقيًا ولا تبرير معقولا لإقدام هذا الطبيب وهو شاب متعلم يعمل في مهنة إنسانية راقية علي قتل زوجته الشابة طبيبة التحاليل (28 سنة) خاصة أن الجريمة تفتقد المبررات والدوافع التقليدية وهى الخيانة الزوجية والتي لم يبرر بها إقدامه علي ارتكاب الجريمة.

لذا لم يجد الزوج الطبيب مبررًا أمام النيابة لقتل زوجته سوي خلافاتهما الأسرية وخلافاتها مع أفراد عائلته، وهو تبرير متهافت لا يستقيم كدافع وراء إقدامه علي قتلها، خاصة أنها وفقًا لشهادة جيران الأسرة تتمتع بسمعة طيبة وأخلاق حميدة وعلاقات جيدة مع الجميع، فضلا عن انتمائها إلي عائلة محترمة ومعروفة ومشهود لها بالسمعة الطيبة.

وفي نفس الوقت فإن الدوافع والأسباب الاقتصادية من حيث تدنى مستوى المعيشة أو سوء الأحوال المالية غائبة في هذه الجريمة، إذ إن الطبيب الزوج القاتل ميسور الحال ولا يعانى من ضائقة مالية.

< < <

الأكثر بشاعة في الجريمة أن الطبيب القاتل لم يكتف بقتل زوجته فقط وبهذه الوحشية إذ قام بذبحها بسكين بعد أن خنقها، بل أقدم علي فعلة لا تقدم عليها الوحوش المفترسة بقتل أبنائه الأطفال الصغار ذبحًا بذات السكين!

ومثلما جاء تبريره لقتل زوجته متهافتًا، فقد برر قتله لأطفاله الثلاثة بسبب أكثر تهافتًا، وهو أنه أراد «أن يريحهم من الدنيا ومتاعبها».. أية متاعب يمكن أن يواجهها أطفال أبرياء تتراوح أعمارهم ما بين أربع سنوات وثمانى سنوات!

< < <

وفي انتظار نتائج تحقيقات النيابة مع هذا الطبيب قاتل أسرته، فإنه لا تفسير لإقدامه علي قتل أبنائه بعد أن قتل أمهم «زوجته» سوي أنه أدرك بعد لحظات من قتل الزوجة أن أطفاله لن يغفروا له جريمته وحرمانهم من أمهم، ومن ثم قرر ألا يعيشوا بعدها.. هذا التفسير احتمال قائم لن يتأكد إلا بعد انتهاء التحقيقات وحل هذا اللغز المحير.

غير أنه ليس مقبولا اللجوء من جانب المحامى الذى سيتولي الدفاع عن الطبيب القاتل إلى الحيلة التقليدية في مثل هذه الجرائم بادعاء الخلل العقلي أو المرض النفسى، باعتبار أن هذا الاحتيال للهروب من العقاب القانونى والقصاص العادل لا يتسق مع أنه يمارس مهنة الطب بشكل اعتيادى ولم يُعرف عنه سواء فى مجال عمله أو بين جيرانه الجنون أو المرض النفسي.

< < <

حتى لو كشفت التحقيقات تعاطيه وإدمانه للمخدرات، فإن ذلك لا يعفيه من المسئولية الجنائية، خاصة أنه خطط لارتكاب جريمته ثم خطط للإفلات بادعاء أنه عاد من الخارج فوجد زوجته وأطفاله غارقين في دمائهم ومقتولين وهرول مستغيثا بالجيران، ومن ثم فإنه لو كان مختلا عقليا أو نفسيا أو مدمنًا للمخدرات لكان قد اعترف بجريمته وجلس أمام زوجته وأطفاله باكيًا نادمًا.

< < <

واقع الأمر ودون استباق لتحقيقات النيابة وحكم القضاء، فإن هذا الطبيب قاتل.. قاتل.. تجرد من المشاعر الإنسانية السوية ومن النوازع الدينية والأخلاقية بقتله لزوجته بقدر ما تجرد من المشاعر الفطرية التي فطر الخالق الناس عليها بإقدامه بكل وحشية علي قتل فلذات كبده.. أطفاله الصغار دون رحمة أو شفقة.

< < <

وفي كل الأحوال فإن هذه الجريمة وما سبقها من جرائم مماثلة فى الفترة الأخيرة ورغم ندرتها ولم تتحول إلي ظاهرة.. باتت تستوجب دراسة علمية متعمقة.. اجتماعية ونفسية وثقافية ودينية للتعرف علي أسبابها ودوافعها، خاصة عندما لا تحدث لأسباب اقتصادية، وذلك قبل أن تستفحل وتصير ظاهرة خطيرة، مع ملاحظة أن تراجع وضعف أو غيبة الوازع الدينى من بين أهم أسباب ارتكاب تلك الجرائم.

< < <

يبقى أنه إذا كنا قد ودعنا عام 2018 المنقضى في آخر أيامه بزلزال أرضى اهتز مركزه بالقطامية وشَعَرَ به بعض سكان القاهرة، فإن هذه الجريمة الشنعاء في نفس اليوم كانت زلزالا اجتماعيًا اهتزت له مدينة كفرالشيخ وشعرت به مصر كلها.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE