الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 01:34 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : بلاغ إلى النائب العام: اغتيال شركة وطنية (2-2)

الأموال

تحدثنا فى الجزء الأول من هذا المقال عن أوجه سوء الإدارة والفساد التي اتسم بها عمل مجلس إدارة الشركة القومية للأسمنت على مدي عدة سنوات مما أدي لخسائر فادحة استند إليها مجلس الإدارة المذكور (ومعه مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، المشرفة علي «القومية»، وكذلك وزارة قطاع الأعمال العام) في الحديث عن ضرورة تصفية الشركة تفاديا لحدوث مزيد من الخسائر.. ودون مراجعة أساليبهم لمواجهة مشكلات الشركة وأسباب الخسائر.. وكأن التصفية قدر لا مردَّ له!!

ثم جاء هؤلاء بـ«لجنة استشارية» من غير المتخصصين أعدت تقريرًا أعلنت فيه أن الشركة «ماتت» ــ هكذا بالنص!! ــ وأن التصفية هى الحل الوحيد المناسب لوقف نزيف الخسائر التي بلغت 2.55 مليار جنيه، واستندت الجمعية العمومية للشركة علي هذا التقرير المعيب لتتخذ قرارها بتصفية الشركة فعلا، وتعيين (مصفى عام) لها، وتكليف مجلس الإدارة بالاستمرار في عمله، للقيام بمهمة (إدارة التصفية).. بعد إبراء ذمته وإخلاء مسئوليته عن كافة الكوارث وجرائم إهدار المال العام التى ارتكبها خلال السنوات الماضية!! وهو ما جعلنا نصل إلى استنتاج بأن الشركة لم (تمت) ميتة طبيعية، وإنما تم (اغتيالها) بدم بارد.. وجاءت الجمعية العمومية لتكتب (شهادة وفاة طبيعية) مع أن الوفاة جنائية.. وهناك جريمة (اغتيال) مع سبق الإصرار والترصد.. وقرار التصفية أو (شهادة الوفاة) مقصود به إهالة التراب علي جريمة الاغتيال وإخفاء آثارها بدفن الشركة واعتبار الموضوع كله قضاء وقدرا، مع أنه ليس كذلك على الإطلاق.

ونقف هنا عند عدد من الوقائع التى كان ينبغى أن تحدث بشأنها مساءلة جنائية بتهمة إهدار المال العام ومساءلة جنائية ـ إدارية بتهمة الإهمال الجسيم في ممارسة مسئولية الإدارة بما أدي إلى هذا الإهدار للمال العام، حتى لو كان ذلك قد تم بحسن نية (ونقول ذلك جدلا فقط).. وإذا كان هذا لم يحدث خلال السنوات الماضية (وهو تقصير جسيم من جانب قيادة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، ووزارة قطاع الأعمال العام)، فقد كان ينبغى علي الأقل تنحية مجلس إدارة القومية للأسمنت لفشله الذريع في القيام بعمله، وتسببه في خسائر ضخمة للشركة.. وهو ما لم يحدث أيضا.. وكان ينبغي أن تقف أمامه الجمعية العمومية للشركة قبل أن تتخذ قراراتها المعيبة الضارة أشد الضرر بالاقتصاد الوطنى وبالمال العام طبعا..

>> حققت الشركة أرباحا قدرها 93 مليون جنيه عام 2012/ 2013 وهى أرباح معقولة بمعايير وأسعار ذلك الوقت.. ثم قررت إدارة الشركة إجراء «تحديث» قامت به شركة خاصة بتكلفة قدرها 400 مليون جنيه لكن تكاليف (التحديث) قفزت إلي 1200 مليون جنيه!! أى ثلاثة أمثال قيمة التعاقد، دفعتها «القومية للأسمنت» من مال الدولة «السائب».. دون إبلاغ النائب العام ضد الشركة القائمة بالتحديث، أو إلزامها بدفع الفرق أو الجزء الأكبر منه علي الأقل إذا كانت قد طرأت أى ظروف قاهرة أدت إلى هذه القفزة في التكاليف (800 مليون جنيه)!! وليس مفهومًا لماذا لم تتحرك قيادة «القومية» أو القابضة للصناعات الكيماوية أو الوزارة المعنية أو الجهاز المركزى للمحاسبات أو وزارة المالية لإبلاغ النائب العام واتخاذ الإجراءات القانونية عن هذا الإهدار الضخم للمال العام؟!! (800 مليون جنيه).. والإجابة الوحيدة الممكنة: مال (سائب) ومستفيدون.. وإذا كان هناك من لديه إجابة أخرى فليأتنا بها.

>> اتضح أن «التحديث» المزعوم والذى تكلف ثلاثة أمثال قيمته التعاقدية ــ أدى إلي زيادة في استهلاك الغاز الطبيعى اللازم للتشغيل بنسبة 60٪ تبلغ قيمتها 660 مليون جنيه، واستهلاك الكهرباء اللازمة لتشغيل طواحين الأسمنت بنسبة لم نستطع التوصل إليها.. أى أن التحديث الذي يفترض أن يؤدى لخفض نفقات الإنتاج، وزيادة الإنتاجية ــ والذى كلف 1200 مليون جنيه ــ قد أتي بنتائج عكسية شديدة الفداحة، انتقلت بالشركة من حالة الربحية إلى الخسارة.. بل والخسائر الضخمة!! فهل جاءوا بآلات أقدم.. أم بآلات خردة أصلحوها وأدخلوها إلى التشغيل؟ لا نعلم.. لكن المؤكد أن (التحديث) فشل فشلا ذريعا وأتى بنتائج عكسية، طيب،، ألم يكن من الواجب وقتها الرجوع علي الشركة القائمة بالتحديث ومطالبتها بتعويضات عن الاستهلاك الزائد للغاز (660 مليون جنيه سنويا)!!؟؟ ألم يكن من الواجب البحث عن طريقة لإصلاح العيوب التى أدت لزيادة استهلاك الطاقة؟ ومن هى أصلا (اللجنة الفنية) التي استلمت هذه الآلات المعيبة؟ ألم يكن من الواجب إحالة أعضاء هذه اللجنة للنائب العام بتهمة الإهمال الجسيم.. أو ما هو أسوأ من الإهمال الجسيم؟ (ونعنى تحديدا احتمال الرشوة لاستلام آلات معيبة).. لكن شيئا من هذا كله لم يحدث!! واستمر مجلس إدارة «القومية» في مكانه، وكذلك مجلس إدارة «القابضة للكيماويات» ولم تتحرك الوزارة! ولا الأجهزة الرقابية!!

مرة أخرى.. مال «سائب» ومستفيدون..

> > الجمعية العمومية الطارئة لم تكلف خاطرها بالوقوف أمام هاتين الجريمتين الكبيرتين، مع أن تسببهما في الخسائر الضخمة واضح جدا.. ولم تقم بإحالة مجلس الإدارة المسئول عنها مباشرة للنائب العام.. بل أخلت مسئوليته!! والأدهى: كلفته بالاستمرار في موقعه (لإدارة التصفية)!! فهل هناك فساد وانعدام للمسئولية أكثر من هذا؟

>> قامت الجمعية العموميةباتخاذ قرار بإبلاغ النائب العام بشأن «عجز ـ اختلاس بلغة البشر» في مخازن «الكلينكر» إحدى المواد الداخلة في صناعة الأسمنت، ومع ذلك جددت ثقتها في مجلس الإدارة المسئول عن كل ما يحدث في الشركة إن لم يكن جنائيا فإداريا علي الأقل!! ولنلاحظ أن مجلس الإدارة نفسه لم يكن قد أبلغ النائب العام عن «العجز» أى «الاختلاس.. بلغةالبشر»!! مما يلقي عليه بشبهات لا ينبغى أن تمر مرور الكرام..

> > قررت الجمعية العمومية تشكيل لجنة لتقصى الحقائق بشأن ملاحظات الجهاز المركزى للمحاسبات.. ومرة أخرى «بلغة البشر» فإن الجهاز المركزي للمحاسبات ــ وهو الجهة الرقابية المسئولة ـ لديه ملاحظات علي حسابات الشركة.. أى أنه لم يصادق عليها.. وهذا في حد ذاته سبب كاف لوقف إجراءات تصفية الشركة.. ومحاسبة مجلس الإدارة علي أى إجراءات غير قانونية.. لكن الجمعية العمومية افترضت أن هذه الملاحظات «ودية!» وقررت تشكيل لجنة تقصى حقائق لمراجعتها!! وهذا هزل في موضع الجد.. بل فساد متبجح.

ومرة أخرى: مال «سائب» ومستفيدون..

وبناء علي ذلك كله يتضح أن الجمعية العمومية الطارئة قد (بصمت) علي توجهات مجلس الإدارة المبيَّتة بتصفية الشركة، وأهدرت القانون والمال العام.. مما يجعل قراراتها واضحة الفساد والعوار، ويجب علي الجهات المسئولة الأعلى في الدولة وقف هذه المهزلة، وإبطال قرارات الجمعيةالعمومية، وأولها وأهمها قرار تصفية الشركة، ومعروف أن مهندسى الشركة وخبراءها يرفضون قرار التصفية،  ويرون أن إصلاحها لايزال ممكنا بشرط تنحية الفاشلين والفاسدين فى إدارتها.. ويؤيدهم في هذا الرأى أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون، وأعضاء اللجنة النقابية.

ونعتقد أن مجلس الوزراء أو مجلس النواب يجب أن يشكل لجنة من الخبراء المتخصصين حقا في صناعة الأسمنت لبحث أوضاع الشركة وإمكانية إصلاحها، علي أن يكون قدامى خبراء ومهندسي الشركة بالضرورة من بين أعضائها.. وعلي أن يتم تنحية أعضاء مجلس الإدارة الحاليين كلهم وإحالة المخالفات الجسيمة فى مالية الشركة وإدارتها إلى النائب العام للتحقيق فيها (مع هؤلاء المسئولين عن الخسائر الجسيمة).. وبالطبع مع أعضاء الجمعية العمومية التى وافقت علي تصفية الشركة بالرغم من المخالفات التي تفقأ العين..

فالسكوت علي تصفية «القومية للأسمنت» هو سكوت علي جريمة اغتيال لشركة وطنية في وضح النهار.. وأمام أعين الجميع.. والساكت عن الحق شيطان أخرس..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE