الأموال
الثلاثاء، 16 أبريل 2024 11:55 صـ
  • hdb
7 شوال 1445
16 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: مرة أخرى.. مهزلة رفع أسعار الدواء (2)

الأموال

 

 

تحدثنا فى الجزء الأول من مقالنا عن اللعبة السخيفة الجارى إعدادها لرفع أسعار الدواء مرة أخرى وفقا لنفس السيناريو الذي حدث في مايو 2016 من خلال تصريحات لرئيس الشركة القابضة للأدوية (المصرى اليوم ـ 22/ 2/ 2018) والتى ذكر فيها أن الشركات التابعة لشركته مهددة بالتوقف بسبب الخسائر والبيع بأقل من سعر التكلفة.. الخ.. وأوضحنا أن الطريقة الخاطئة وغير العادلة التي تعاملت به الحكومة مع الموضوع وقتها أدت إلي وقوع مكاسب رفع الأسعار في أيدى الشركات الخاصة والأجنبية، وعدم استفادة الشركات الحكومية إلا بالفتات، بالرغم من الدور الكبير الذى كانت الدولة تلعبه في توفير المواد الخام ومستلزمات الإنتاج لإتاحة الدواء بسعر مناسب، بما في ذلك توفير مئات الملايين من الدولارات بسعر صرف مدعوم.

والأن.. تتكرر نفس الشكوى، ودون أن يقدم رئيس الشركة القابضة حلولا تؤدي إلي طريق غير التي سلكناها خلال العامين الماضيين، أو تحقق مصالح الشركات الحكومية التى يفترض أن هو المدافع الأول عنها. وأهم هذه المقترحات طبعا رفع أسعار الدواء (بشكل عام)

وبادئ ذى بدء فإن أى عاقل لابد أن يهمه حل أي مشكلات تواجه صناعة الدواء باعتبارها ضرورة حياة للمواطنين.. وباعتبار أن صحة المواطنين هى قضية أمن قومى، كما لابد أن يهمه حل مشكلات شركات الدواء الحكومية بناء علي الاعتبار السابق ذكره من ناحية، ولأنها تمثل جزءا من ملكية الشعب وثروته الوطنية من جهة أخرى.

ويقتضى هذا دراسة خبرة الفترة الماضية، منذ رفع أسعار الدواء في ربيع عام 2016، ثم بعد تعويم الجنيه في خريف نفس العام حتي لا نكرر نفس الأخطاء.

فبمجرد تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016 طالبت شركات صناعة الأدوية، الخاصة والأجنبية برفع سعر كافة الأدوية فورًا بنسبة 100٪، وطالبت بعض الأصوات برفع أسعار الدواء فورا بنسبة 50٪ مع مراجعتها كل ثلاثة أشهر.. بل وطالب البعض بتعويم أسعار الدواء أسوة بسعر صرف الجنيه!!

وتجاهل كل هؤلاء أولا: الفرق بين الدواء المحلي والدواء المستورد..فالمطالبة برفع الأسعار كانت تشمل كل أنواع الدواء.. وهذا أمر غير معقول منطقيًا ولا اقتصاديًا.. وتعويم أسعار الدواء لا يستحق عناء المناقشة لأنه غير موجود في أى مكان في العالم لأن صحة الناس لا يمكن أن تكون موضوعًا للمضاربة، أما رفع الأسعار فورًا بنسبة 100٪ أو 50٪ مع مراجعتها كل ثلاثة أشهر فلم يكن بالأمر المقبول لأسباب كثيرة.. أولها أن تكلفة مدخلات الإنتاج لم ترتفع بنفس ارتفاع سعر الدولار.. فهناك أدوية خاماتها ومستلزمات إنتاجها محلية بالكامل ــ أو جزئيا ــ أو من الناحية الأساسية، ثم إن الطاقة ومستلزمات التغليف والتعبئة وأجور النقل وأجور العاملين..الخ.. لم ترتفع بنسبة 100٪ أو حتى 50٪.. وكلها أمور أساسية وحساب تكلفة الإنتاج.

>> وقبل كل شيء، فلم يكن منطقيًا بأى حال رفع أسعار الأدوية الموجودة في المخازن بالرغم من استيرادها بأسعار صرف الدولار السابقة علي التعويم!! علمًا بأن الدولة هى التي كانت تقوم بتوفير الدولارات اللازمة لاستيراد الأدوية الجاهزة، والخامات الدوائية، بسعر صرف مدعوم.. وكانت الحكومة قد وفرت في صيف عام 2016 قرابة مائتى مليون دولار لهذا الغرض (185 مليون دولار)، فعلي أى أساس تنتقل فروق الأسعار هكذا بكل بساطة لجيوب شركات التوزيع والصيادلة؟!! وحتى بالنسبة للأدوية الجارى تصنيعها، فإن خاماتها كانت الدولة هى التى استوردتها، وتبيعها للشركات بالأسعار القديمة.. فعلي أى أساس تتم مضاعفة الأسعار؟!

لقد كان واضحًا أن المطالبة برفع الأسعار بهذه المعدلات الخيالية هى محاولة لانتهاز فرصة تعويم الجنيه من أجل تحقيق أرباح خيالية لا أساس لها إلاّ الجشع غير المحدود، والانعدام الكامل لأى إحساس بالمسئولية تجاه المجتمع وتجاه المرض.

ووصل الأمر إلي حد انخراط شركات الأدوية الخاصة والأجنبية (والصيدليات بدرجة أو بأخرى) في لعبة «تعطيش السوق» لممارسة الضغط علي الحكومة وعلي المستهلكين (المرضى)..

> والمسخرة الحقيقية أنه حينما تمت الموافقة علي رفع الأسعار ظهرت الأدوية المختفية.. وكلها مكتوب عليها الأسعار القديمة، وقد تم إخفاؤها بطريقة بدائية.. وكتابة الأسعار الجديدة، مع نفس تواريخ الإنتاج القديمة!!

<< والواقع أن هذه كانت ممارسة احتكارية إجرامية كان ينبغي مواجهتها بحزم وتطبيق القانون ضد مرتكبيها..

وبالرغم من كل ما ذكرناه فإن الحكومة قد خضعت للجزء الأساسى من مطالب شركات الإنتاج والتوزيع، ووافقت على رفع سعر الأدوية (بالزوفة) بدءا من 1 فبراير 2017، وبغض النظر عن المكون المحلي أو الأجنبى والتكلفة الفعلية لكل دواء على حدة.. الخ.. بل تم رفع الأسعار علي أساس فئات سعرية عامة (وهذا أمر غير عادل) كالتالى:

1 - 1 جنيه: 50 جنيها بنسبة 50٪

2 - 50 جنيها: 100 جنيه بنسبة 40٪

3 - فوق الـ100 جنيه بنسبة 30٪

علي أن يتم تطبيق الأسعار الجديدة بدءا من الإنتاج الجديد.. وأن تباع الأدوية الموجودة في الأسواق والمخازن فعلا بنفس الأسعار القديمة.. وهو أمر منطقى تمامًا.. لكن شركات التوزيع والصيادلة ولوبي الدواء عمومًا، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها.. فكيف تباع نفس السلعة بسعرين؟!

وهكذا بدأت المطالبة الصاخبة بالبيع بسعر واحد (هو السعر الجديد!!!) أى برفع سعر الأدوية (الرخيصة) فورًا إلى السعر الجديد الأعلى!! وتحقيق أرباح خيالية جشعة، علي حساب المستهلك.. وقفزت جماعة الإخوان الإرهابية إلى المعمعة داعية الصيادلة إلى الإضراب!! ورفضت النقابة دعوة الإضراب الخبيثة، لكنها شددت ضغوطها ــ في المقابل ـ لإلغاء نظام السعرين.. وهكذا تم رفع السعر القديم دون مبرر قانونى أو اقتصادى.. وأصبحت الأدوية القديمة (الرخيصة) تباع بالسعر الجديد.. وظهر ما كان مختفيًا منها!! وتدفقت المليارات دون وجه حق إلي جيوب من قاموا بممارسات احتكارية إجرامية.

والمفارقة السخيفة أننا أصبحنا (وحتى هذه اللحظة) نجد أدوية مسجلا عليها أنها صنعت في بداية عام 2016 (قبل رفع السعر لأول مرة في مايو 2016) وتباع بأسعار ما بعد التسعيرة (فبراير 2017).. أى بعد رفع السعر مرتين.. وليتخيل القارئ الكريم نسبة الربح التى أضيفت إلى سعر هذه الأدوية.. والتى ذهبت إلي خزائن لوبي الدواء في القطاعين الأجنبي والخاص..

ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. بل تعداه إلي تحقيق أرباح حرام من ممارسات تقوم علي الغش التجارى.. فبعض الأدوية ـ التي ارتفع سعرها مرتين أو أكثر ــ تشهد تلاعبًا في ورق العبوات!! وخاصة المراهم والاسبريهات.. وما ليس حبوبًا يسهل عدها أو زجاجات ينكشف أمرها إذا كانت ناقصة.. ويستطيع كاتب هذه السطور أن يقدم إلى من يطلب نوعين على الأقل من عبوات المضادات الحيوية التى تُباع علي شكل مرهم، ليجد أن نصفها مفرغ من الدواء (نصف الأنبوبة أو أكثر.. فارغ)!! وهو أمر لا يمكن تبريره قانونا ولا خلقا ولا بأى مبرر كان.. غش تجارى صريح.. لكن هذا حديث آخر.

ومرة أخرى لم تستفد شركات الدواء الحكومية إلا بالفتات من رفع الأسعار للمرة الثانية (بسبب تعويم الدولار).. بل إن الفارق اتسع كثيرًا بين أدويتها وأودية القطاعين الخاص والأجنبى نظرًا لرخص إنتاجها من الأصل.. فلماذا يطالب رئيس الشركة القابضة الآن برفع أسعار الدواء، فضلا عن ضخ استثمارات جديدة؟؟ الواقع أنه لكي تحقق أدوية الشركات الحكومية سعرا اقتصاديا ثم تحقق أرباحًا وفقا للطريقة التى شهدناها في المرتين السابقتين، فإن أسعار أدوية القطاعين الخاص والأجنبي ستصل إلي أسعار تجعل العلاج مستحيلا للأغلبية الساحقة من المصريين.. وإذا تم ضخ استثمارات في ظل الأسعار الحالية، فإن هذه الشركات ستتحول إلى (ثقب أسود) يبتلع الأموال بلا نهاية.. فما العمل؟

هذا ما سنناقشه في مقالنا القادم..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE