الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 07:59 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مؤامرات أردوغان والبشير.. ومخاطرها علي الأمن القومى المصري

الأموال

تمخضت زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلي السودان الأسبوع الماضي عن نتائج خطيرة على الأمن القومي المصري والعربي، تُوجب ضرورة دراستها بكل جدية، واتخاذ الخطوات الكفيلة بمواجهتها. الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام ـ علي غير عادة أردوغان في القيام بزيارات قصيرة أسفرت عن نتائج خلاصتها إعطاء تركيا موطئ قدم قويًا علي ساحل البحر الأحمر وعلي الأراضي السودانية عمومًا، بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر، بما يتيح لأنقرة فرصة أكبر لممارسة تحركاتها الشيطانية الهادفة لدعم الأنشطة الإرهابية ضد بلادنا، وتهديد الأمن القومى المصري والسعودى وأمن الملاحة في البحر الأحمر عموما.

أولي نتائج زيارة أردوغان كانت الاتفاق مع البشير علي إسناد إدارة جزيرة «سواكن» علي البحر الأحمر إلي تركيا لمدة غير محدّدة، الجزيرة تقع داخل خليج محاط بدوره باليابسة.. وتطل علي البحر الأحمر من ناحيتها الشرقية.. وتبلغ مساحتها نحو 20 كيلومترا، وقد ظلت طوال القرون الوسطى، وحتي بداية القرن العشرين الميناء الرئيسى للسودان علي البحر الأحمر «حتى إقامة ميناء بور سودان» في السنوات الأولي من القرن العشرين.. وكانت مقرًا للقيادة العثمانية في جنوب البحر الأحمر، حتى انتقلت لإشراف مصر في عهد محمد علي في القرن 19 فى فترة الفتوحات المصرية في جنوب السودان ومنطقة منابع النيل وأثيوبيا وإريتريا الحالية..

وكانت تركيا تقوم بأعمال ترميم للآثار العثمانية في الجزيرة.. حتي فوجئنا خلال زيارة أردوغان بالاتفاق علي إسناد إدارتها لتركيا لفترة غير محددة. وجرى الإعلان عن هذه الخطوة خلال زيارة قام بها أردوغان والبشير للجزيرة.. وأعلن أردوغان أيضا أن «هناك ملحقًا للاتفاق لن أتحدث عنه الآن».

وهنا مربط الفرس.. فبديهى أن تركيا لن تهتم بالحصول علي حق إدارة الجزيرة لكى تقيم فيها متحفا للآثار العثمانية!! سواكن التي تقع في منتصف الساحل الشرقي للبحر الأحمر علي مسافة نحو 100 كم من الحدود الجنوبية لمصر في منطقة حلايب وشلاتين، وفي مواجهة مدينة جدة السعودية تقريبا، علي الساحل الشرقي للبحر الأحمر.. تصلح كقاعدة عسكرية بحرية وجوية ممتازة في منتصف البحر الأحمر ذى الأهمية الاستراتيجية الهائلة بالنسبة للتجارة العالمية، والذى يمثل المدخل الطبيعى لجزيرة سيناء وخليجى السويس والعقبة.. وقناة السويس.. ووجود قاعدة عسكرية تركية في الجزيرة يمثل تهديدًا خطيرًا محتملا ليس للمجري الملاحى للبحر الأحمر فحسب، بل وأيضًا للسواحل المصرية بالدرجة الأولي، وكذلك السواحل السعودية.. فضلا عن قرب موقع الجزيرة النسبى من مضيق باب المندب وسواحل اليمن.. علمًا بأن لدي تركيا قاعدة عسكرية في الصومال منذ عدة سنوات.

الطابع التاريخى للجزيرة ـ الذى سبق الإشارة إليه ــ يغازل بشدة الأحلام الإمبراطورية لأردوغان بإحياء الخلافة العثمانية!! تلك الأحلام التي كانت قد شهدت انتعاشًا كبيرًا خلال الأعوام الماضية، وخاصة مع وصول الإخوان للحكم في مصر (2013) ومع التوسع الكبير الذى كانت «داعش» قد تمكنت من تحقيقه في العراق وسوريا «وكذلك توسع جبهة النصرة، وغيرها من المنظمات التابعة مباشرة لتركيا في سوريا».. غير أن ثورة (30 يونيو 2013) في مصر أطاحت بحكم الإخوان المجرمين، وأطاحت معًا بالجزء الأكبر من أحلام أردوغان «العثمانلية».. ثم جاءت التطورات العسكرية الكبري في سوريا والعراق لتوجه ضربة ثانية قاسية لأحلام «السلطان» الإمبراطورية.

لكن أردوغان المعروف بعناده وتطرفه وحماقته وقصر نظره الاستراتيجي الشديد، لم يتخل عن أوهام العظمة الإمبراطورية، وخاصة بعد نجاحه في التغلب علي محاولة الانقلاب في بلاده، وتحويل تركيا إلي دولة استبدادية من أسوأ طراز، يتمتع هو فيها بسلطات ديكتاتورية مطلقة.

وهكذا اندفع أردوغان لمحاولة استغلال الفوضي في ليبيا لدعم الجماعات الإرهابية فيها، وتوجيهها لشن الهجمات الإجرامية علي مصر واختراق حدودها الغريبة.. وكذلك للدفع بآلاف الإرهابيين إلي الأراضي الليبية لتعزيز قوة الجماعات الإرهابية هناك.. وازدادت هذه السياسة الإجرامية توسعًا بعد الهزائم القاسية التي تعرضت لها «داعش» وأخواتها في سوريا والعراق، حيث قامت تركيا بالدور الأكبر في نقل فلول الإرهابيين من البلدين الشقيقين إلي ليبيا، والهدف دائمًا.. مصر.. وذلك فضلا عن دعم المنظمات الأكثر تطرفًا ووحشية في قطاع غزة لشن الهجمات الإرهابية علي سيناء، بالتنسيق مع الإرهابيين المتمركزين فيها أصلا.

وفي كل هذه العمليات الإرهابية الحقيرة الموجهة ضد مصر، كانت قطر تلعب دور «المحفظة» أو «دفتر الشيكات» بما لديها من فوائض مالية ضخمة تزيد علي 300 مليار دولار.. كما كان نظام البشير الإخوانى يلعب دوره الإجرامى في تجميع الأسلحة لإمداد الإرهابيين فى ليبيا بها.. بتمويل قطرى وإشراف تركى..

أما تحريض نظام البشير علي اختلاق المشكلات مع مصر، وتغذية عدوانيته الغاشمة و«الغشيمة» تجاه مصر.. فحدث ولا حرج!!

•• ويجب أن نلاحظ أن عودة نظام البشير لإثارة قضية حلايب وشلاتين يتزامن مع زيارة أردوغان للسودان «يسبقها بأسابيع قليلة».. كما يتزامن مع تطور مهم آخر في العلاقات السودانية ـ القطرية، نعني الاتفاق علي تطوير ميناء بور سودان وتوسعته، بحيث يكون «أكبر ميناء للحاويات علي البحر الأحمر» بتمويل قطرى (راجع رويترز وRT ـ 16 نوفمبر 2017).

•• وإذن فإن مثلث الشر التركى ـ القطرى ـ السودانى كان طوال السنوات الماضية يتآمر علي مصر، متخذًا من الأراضي السودانية قاعدة لهذا التآمر، واللافت للنظر ـ وما يؤكد قولنا ـ هو أنه تم أثناء زيارة أردوغان للسودان، اجتماع لرؤساء هيئات أركان الحرب التركية والسودانية والقطرية لبحث قضايا التعاون العسكرى المشترك بين الأطراف الثلاثة!! وبديهى أن أهم ما يجمعها هو التآمر علي مصر.

أما موقف السودان المنحاز إلي أثيوبيا، والمتواطئ معها ضد المصالح المصرية في قضية سد النهضة، فهو موضوع يستحق معالجة مستقلة.. ويمكن باطمئنان كامل ربطه بالعلاقات السودانية بتركيا وقطر، وحملات الكراهية التى تشنها الدوحة وأنقرة ضد مصر.. خصوصا أن قضية مياه النيل بالغة الأهمية كقضية أمن قومى، بل وكقضية حياة أو موت بالنسبة للشعب المصرى.

وارتباطًا بهذه القضية، فإن من بين 21 اتفاقية تم توقيعها أثناء زيارة أردوغان، هناك اتفاقية تتصل بالتعاون الزراعى بين السودان وتركيا، والتعاون في مجال الثروة الحيوانية وإقامة مجازر ومصانع لتعليب اللحوم السودانية، وتصديرها إلي تركيا وغيرها من البلدان، بالإضافة إلي اتفاقية بشأن إقامة تركيا لمطار حديث في الخرطوم، ومساعدات فنية وتمويلية لإقامة «صناعات دفاعية» في السودان.

ويأمل البشير أن تصل الاستثمارات التركية في السودان إلي عشرة مليارات دولار (راجع «الأهرام» و«المصرى اليوم»، 27 و28 ديسمبر، وكذلك المواقع الإلكترونية من 26 ـ 28 ديسمبر 2017)..

وخلاصة القول إن تركيا تخطط لوجود عميق ومتجذر في السودان ـ ودائما بمشاركة من التمويل القطرى ـ وليس في قاعدة سواكن وحدها (علي بُعد 100 كيلومتر من الحدود المصرية).

< < <

ولم تتوقف «جولة أردوغان الإفريقية» عند السودان، بل قام بعدها بزيارة إلي تونس علي الحدود الغربية لليبيا (لاحظ) ومعروف أن تونس قد احتلت المركز الأول من حيث عدد الإرهابيين الذين تدفقوا منها علي سوريا في ذروة الحرب هناك، بسبب حملة التعبئة الواسعة التي قادتها حركة «النهضة الإخوانية» هناك.. وهى الحركة التي يرتبط بها ـ أو يستمد أفكاره منها بشكل أو بآخر ــ عدد من المنظمات الإرهابية النشطة في تونس نفسها، وعلي حدودها مع كل من ليبيا والجزائر.. (مرة أخرى بالقرب من مصر).. ونظرًا لأوضاع تونس الاقتصادية الصعبة، والمناخ السياسي الذى يشهد نشاطًا لأحزاب وتنظيمات معادية للإخوان المجرمين، فإن التصريحات الصادرة عن محادثات أردوغان والرئيس التونسي الباجي قائد السبسى (وهو ينتمى إلي حزب «النداء» الذى يتبني العلمانية رسميًا) قد تركزت حول التعاون الاقتصادى والتنسيق من أجل حل مشكلات المنطقة عمومًا، دون تركيز حتى علي الجانب السياسي.. علمًا بأن الحركات اليسارية التونسية تتهم الحكومة بأنها لا تتخذ ما يكفي من الإجراءات الأمنية الحازمة للقبض علي الإرهابيين العائدين من سوريا ومحاكمتهم، بما يهدد باندلاع حركة إرهابية في البلاد في الفترة القادمة.

خلاصة القول إن تحركات أردوغان ترتبط بالسعي لتحقيق أهداف استراتيجية محددة يمثل النجاح في تنفيذها تهديدًا جديًا للأمن القومى المصرى (والعربي/ السعودى) سواء من ناحية احتلال رأس جسر علي البحر الأحمر بما له من أهمية استراتيجية كبري، وبالقرب من السواحل المصرية ومداخل قناة السويس، أو من ناحية خلق تواجد تركي دائم ومتجذر بالقرب من مجرى النيل والحدود المصرية (بما في ذلك حلايب وشلاتين والسد العالى) أو من زاوية دفع مزيد من الإرهابيين إلي المناطق المجاورة للحدود المصرية من الغرب (ليبيا) أو من الجنوب (السودان).

وكل هذه مخاطر جسيمة علي أمننا القومى، تجعلنا غير متعاطفين إطلاقاً علي حصر كثير من الكتاب لآثار التحركات التركية ــ القطرية ـ السودانية في حدود «المكايدة» والانتقام العاطفي من ثورة 30 يونيو بما سبقه من خسائر لتركيا.. فالتأمل الجدى للتحركات التركية والقطرية في ليبيا والسودان يشير إلي أننا إزاء خطط مدروسة جيدًا لإلحاق أضرار فادحة بالأمن القومى المصري.. وأما القول بأن قاعدة «سواكن» المرتقبة ستواجه مشكلة خطوط الإمداد الطويلة مع المركز «تركيا» فمردود عليه بأن الخطط التركية تشمل إقامة قاعدة إمداد واسعة علي الأراضي السودانية نفسها.. علمًا بأن معاهدة القسطنطينية الخاصة بتنظيم المرور في قناة السويس، تحرم مصر من إمكانية منع مرور السفن التركية في قناة السويس ذاتها، ما لم نكن في «حالة حرب» رسمية مع تركيا.. وإذن فإن حركة السفن التركية من وإلي القاعدة المرتقبة لن يكون أمامها عائق..

وعمومًا فإننا لا نرى معنى للتقليل من خطورة خطوات فعلية يجرى اتخاذها أمام أعيننا، وعلي مرمي حجر من حدودنا.. فالغفلة قد تكبدنا ثمنا فادحاً في المستقبل القريب أو البعيد..

> > >

وتبقي نقطة بالغة الأهمية.. إن تقلبات السياسة والأنظمة لا ينبغى أن تنسينا حقائق أساسية تتصل بالعلاقات الأزلية الوثيقة بين الشعبين المصري والسودانى.. فهي علاقات ترابط عضوي.. وتتصل باشتراكنا في مجرى النيل، وهى من حقائق الجغرافيا التي لا يجوز نسيانها ولا يمكن تغييرها.. وبالتالى فإن أى انتقادات لنظام البشير في وسائل الإعلام مهما بلغت حدتها، لا يجوز بأى حال من الأحوال أن تمتد للإساءة إلي العلاقات بين الشعبين المصري والسودانى.. فهذا خط أحمر غليظ، لا يجوز أبدًا تخطيه، حتى ولو كان ردًا علي استفزازات سفيهة من بعض غير العقلاء علي الطرف الآخر.. وهذا ما نلاحظ لمحات منه أحيانًا، وخاصة علي وسائل التواصل الاجتماعي.. فالاستهتار في هذا الشأن تكلفته فادحة، وإصلاح آثاره يحتاج إلي زمن طويل، وليس في مصلحة الطرفين بالتأكيد.

مصر للطيران
الدولار الجنيه السوق السوداء

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE